مصطفى عبد الله الكفري يكتب | الوحدة العربية والعوامل الاقتصادية

0 278

انجح تجارب الدمج بين الشعوب والدول هي التي تقوم بالاستناد إلى عوامل اقتصادية بحتة ترعى مصالح الأمم بالمنفعة…. ففي تجربة إمبراطور الصين لي شومينج نقرأ انه كان أول من وحد الأمة الصينية بطريقة سهلة وبسيطة ومباشرة وهي توحيد العملة. استطاع بذلك إيجاد عامل مشترك يحس ويتفاعل معه كل مواطن وكل مسؤول ويدرك قيمته بدون مقدمات ونظريات، وكانت النتيجة ازدهاراً وتطوراً ووحدة حقيقية لا تزال تجني ثمارها الصين إلى اليوم.
الاقتصادات العربية اليوم ليست في أفضل أحوالها وتمر بمنحنى خطير. والحكومات تشارك في مسؤولية ما حصل من تدهور، فالاقتصاد ليس مسؤولية الاقتصاديين وحدهم، وإنما هو مسؤولية مجتمع تقوده حكومة، ترسم أو لا ترسم الاتجاهات لطريق المستقبل، تضع أو لا تضع الخطط وتؤثر بالتالي في مسار الاقتصاد كله.
الوضع الاقتصادي بصورة عامة مضطرب، فنحن نواجه اليوم اقتصاد الفرص الضائعة. لم نتمكن حيث أتينا بالفرصة من تحويل الثروة النفطية إلى بنيان اقتصادي متطور بقدر لائق، ولم تتحول فيه الثروة البشرية إلى إضافة حقيقة كبرى في زمن أصبح فيه البشر وليس المال هو أساس التنمية، بل إن المال المتاح قد نزح منه الكثير للخارج وهو ما يقدر بتسعمائة مليار دولار.
والاقتصاد العربي غير موحد وغير مترابط، فهو مفتت ومشتت بين اقتصادات قطرية.
اقتصادنا العربي اليوم هو الأقل إنتاجا. فمحصلته ضئيلة جداً بالمقارنة مع الولايات المتحدة أو حتى الدوا الناشئة، التي لها ذات العدد من السكان. والاقتصاد العربي يترنح بشكل واضح ولا يبدو انه مستقر. فلقد كانت نسبة النمو منخفضة، ثم تحسنت قليلاً، وهذه علامات واضحة لاقتصاد غير مستقر والسبب الرئيسي في ذلك هو أسعار النفط، فحينما يحدث تطور ايجابي للاقتصاد، فانه لا يعني بالضرورة انتاجية أكثر وأفضل، لكنه قد يعني ارتفاع اسعار النفط عالمياً.
والوطن العربي جزء كبير منه يعتبر هبة النفط. والنفط يقع تحت رحمة أسواق الدول الصناعية، فبدلاً من أن يكون وسيلة تدعم الاستقلال السياسي والاقتصادي، بات وسيلة اندماج وتبعية في سوق عالمية لا ترحم، وبات بالتالي عائده محدود ومتذبذب بين أموال تستردها دول معينة لتعطينا الغذاء والكساء وبعض أدوات التنمية، وأموال تستردها دول أخرى أيضاً ثمناً لأكبر استهلاك سلاح في العالم، وبقية ما نأخذه يعود لذات الدول للاستعمال في أسواقهم ومصارفهم وسنداتهم الحكومية.
هذه هي الصورة الخارجية للنفط، أما الصورة الداخلية فان دولاً كثيرة أصبحت تعاني عجزاً في موازناتها في التسعينات بسبب انخفاض أسعار النفط. أما أداة التقدم الحقيقية، وهي الصناعة التحويلية، فان نصيبها من الناتج المحلي لم يزد على 11.4%. وهكذا بعد 27 عاما من الطفرة النفطية، لا زال الاقتصاد العربي يعتمد على المواد الخام بشكل أساسي، ويعجز عن بناء هياكل اقتصادية متطورة قادرة على تشغيل اليد العاملة حتى أصبحت البطالة كابوساً يرعب كل الدول العربية.
تواجه الدول العربية العولمة ومتغيرات العصر بهذه الصورة القاتمة، فأين موقع الحكومات التي ينبغي أن تخطط وتضع السياسات والبرامج؟ وهل هي حكومات ناجحة أم فاشلة؟ هل تحصل على (الايزو) وشهادات التفوق القياسية بلغة أهل الصناعة والإدارة؟ أم أن نظم الجودة تطردها من نعيمها؟ ومؤشرات الجودة للحكومات لم تعد خافية، فالبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة معروف ويتحدث عن حكومة قادرة على توفير التنمية البشرية من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وتعليم، ومفوضية حقوق الإنسان تتحدث عن توافر هذه الحقوق كشرط لمصداقية الحكومة، والبنك الدولي وقبله صندوق النقد يتحدثان عن (جودة وأهلية الحكم) عبر تعبير حديث انتشر أخيراً وهو الحوكمة (governance) وهو مصطلح قدم وصفة نموذجية للحكومة الجيدة فهي حكومة: فيها مشاركة شعبية في صنع القرار، وتؤمن بالشفافية وتمارسها، وتخضع للمحاسبة وتطبقها.
والوصفة هنا تأتي من منبع اقتصادي، فاتخاذ القرارات في المجتمع وهي نهاية رحلة الديمقراطية تُعنى باختيار نوعية الحياة ونوعية الحقوق والواجبات. إن ميزانية الدولة تحدد: (من يأخذ).. ونظام الجباية يحدد: (من يدفع).. والقوانين والأنظمة التي تستصدرها الحكومة ويراقب القضاء تنفيذها توزع العدل أو الظلم بين الشعوب في المجتمعات ولكل ذلك انعكاسه على الاداء الاقتصادي وعلى حياة الناس وهو هدف اي نظام، المشاركة والشورى اذن اساس الحكم الجيد، والشفافية أداة المعرفة لمن سيشاركون والمحاسبة طريقة لمقاومة الفساد الذي بات أحد سمات العصر، والفساد من وجهة نظر صندوق النقد والبنك الدوليين معوق للاستثمار لأنه يعطي الفرصة لمن يدفع أكثر، ومن ثم فهو يضرب فرصة المنافسة المتكافئة.
هكذا تختلط السياسة بالاقتصاد ويصبح الاداء السياسي الجيد هو الطريق لاقتصاد جيد اين تقف البلاد العربية من كل ذلك؟ سؤال صعب وإجابته أصعب.
الأخطر هو غياب الاستراتيجية فنحن لا نعرف ماذا يريد العرب اليوم، أو حتى عام (2030) على سبيل المثال، بل إننا لا نعرف ماذا يريدون الآن من العولمة أو في مسألة الصراع مع إسرائيل أو في حرب التكنولوجيا أو في الانفتاح على العالم. لقد ولى زمن الخطط الخمسية أو السبعية والتي كانت تعتمد على سياسات قصيرة الأجل محدودة الرؤية. الآن والأمثلة نصب أعيننا لنماذج تضع خططاً طويلة الأجل بدراسة متأنية تشمل كافة جوانب الحياة والاقتصاد. فماليزيا التي وضعت خطة طويلة الأجل أصبحت في مصاف الدول الصناعية الأولى وتمكنت من المضي قدماً وبخطوات كبرى نحو هذا الهدف الكبير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.