مصطفى عبيد يكتب | هل ولى زمن القطاع الخاص؟
لست ممن يعادون رأس المال، أو ممَن يرونه قرينًا بالتجبر ولصيقًا بالغطرسة. لا أنفر من أصحاب الثروات وأحسدهم لأنهم يمتلكون ما لا أملك. أعي جيدًا أن لكل إنسان حقه في الاجتهاد، وطموحه في التحقق، وأن كثير من الأثرياء تعبوا وفكروا واجتهدوا وعملوا بشرف لتحقيق وتنمية ثرواتهم.
لذا، فأنا لست سعيدًا بتضاؤل دور القطاع الخاص ومشاركته في اقتصاد بلادي، ولا أتصور أن ما كان يقال ويُردد قبيل 2011 عن انتهازية وفساد بعض رجال الأعمال يعني أن تجربة القطاع الخاص برمتها في مصر محكوم عليها بالاعدام. ولا أعتقد أن استمرار خفوت نجم القطاع الخاص وانكماشه يُمثل نوعا من انعدال الأوضاع، وأعيي جيدا أن الأمر عارض.
والحاصل أن نصيب القطاع الخاص في مصر من الاقتصاد انكمش بوضوح في السنوات الأخيرة، وليس أدل على هذا الإنكماش مما أشار إليه تقرير حديث لصندوق النقد الدولي موضحًا أن نصيب القطاع الخاص من الائتمان في مصر بلغ عام 2019 نحو 32% بينما كان في 2007 نحو 64%.
وأتذكر في الأيام الأولى لسقوط نظام مبارك تلك الصيحات المتعالية لبعض الإخوة من أهل اليسار بضرورة مصادرة أموال رجال الأعمال في الحزب الوطني، وتأميم كياناتهم دون أي نظر لما تركوه من منافع للمصريين طوال عقدين من الزمن تباينت بين تشغيل وتطوير بشري، وضرائب دخلت إلى خزانة الدولة، وإضافات عمرانية وحضارية عظيمة. وأتذكر بعد شهور قلائل من سقوط المشروع الإخواني مقالات لبعض ورثة المشروع الناصري، طالبوا فيها الدولة المصرية بإنهاء وجود القطاع الخاص تماما، لأنه ملوث، وفاسد، وإنتهازي.
بالطبع لم تستجب الدولة المصرية الصلبة لمثل هذه الموجات، واستمر الخطاب العام لها مبشرا بالقطاع الخاص، ومقدرًا ظروفه، وساعيًا لحل مشكلاته، وداعيًا إياه للشراكة والتعاون.
لكن رغم ذلك ظلت هناك أصوات زاعقة تحاول الإيحاء بأن القطاع الخاص خصم للدولة، وأن رجال الأعمال جميعًا في سلة واحدة تُسمى سلة الإنتهازيين. وخرج أحد الكُتاب الكبار في إحدى المؤسسات القومية بُحكم سطحي، ساذج، ومتسرع مفاده أن رجال الأعمال خذلوا النظام السياسي المصري بعد ثورة يونيو، ولم يقل لنا هذا الكاتب كيف، ولم، وما هو أساس هذا الخذلان!
أتصور أن دور القطاع الخاص تضاءل لأن هناك رياح تغيير عالمي، وأحداث إقليمية، ودولية غير معتادة، يصاحبها عادة سرعة تحرك لرؤوس الأموال عبر الحدود، وهناك انخفاضًا واضحًا في الاستثمار الأجنبي عالميًا، وما حدث للقطاع الخاص المصري حدث للقطاع الخاص في أعتى الدول الرأسمالية، ناهيك فيما بعد عن تداعيات الجائحة الأخطر والأعظم في العالم الحديث.
فضلًا عن ذلك، فإن التعديلات الجذرية التي أقرتها الحكومة منذ 2016 في إطار الإصلاح الاقتصادي ساهمت، دون شك، في رفع تكاليف الانتاج والاستثمار بنسبة كبيرة، دون تدرج، وهو ما أصاب الشريحة الأكبر من القطاع الخاص بالتجمد والتوقف لدراسة الأمور. كما أن الإصلاح التشريعي الجاري في كثير من الملفات الاقتصادية لم يصاحبه إصلاح مؤسسي لازم، بمعنى أنه تم تغيير القوانين والتشريعات الحاكمة لبيئةالاقتصاد، لكن لم يتم تطوير وتأهيل العاملين على تنفيذها.
لكن كل ذلك لا يعني أن القطاع الخاص سقط من حسابات الدولة. فالمشروعات الكبرى المنفذه في البنية التحتية من شبكات طرق وكباري وموانيء ومدن جديدة ومرافق وخدمات تصب صبًا في صالح القطاع الخاص آنيًا ومستقبلًا. والخطاب العام لكل المسئولين يطرح ويؤكد ويكرر الاستعداد التام للاستماع لأي مشكلات تواجه القطاع وتذليلها. وكل المشروعات الكبرى التي تقوم بها الحكومة بما فيها أعمال البنية التحتية تقوم على شراكة مع القطاع الخاص.
إن علاقة الحكومة بالقطاع الخاص ليست بالقطع علاقة تنافس، ولن تكون، وأي تراجع في دور القطاع الخاص هو أمر مؤقت، لأن التنمية لا يُمكن أن تتحقق من خلال الحكومة وحدها، فهذا الزمن ولى، وانقضى. والقادم أفضل.