أحمد البهائي يكتب | البورصة والأرباح الرأسمالية

0

يقولون إن البورصة هي المرآة الحقيقية لأي اقتصاد، ولكن ما يحدث في مصر خلاف ذلك؛ فبورصتنا تحقق مكاسب من الإشاعات.
من فينا يتذكّر قرار الحكومة المصرية، برئاسة إبراهيم محلب، في 18 مايو 2015 ، تجميد ووقف العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية في سوق المال عامين مع استمرار العمل بضريبة التوزيعات النقدية التي فرضتها الحكومة في يوليو من عام 2014، حيث اعتبر خبراء في سوق المال، قرار الحكومة أحد الأسباب الرئيسية في هروب الاستثمار الأجنبي والعربي خارج البلاد، مؤكدين أن ذلك الوضع يتسبب في تدهور الحقل الاقتصادي للبلاد، مع وجود شبهة ازدواج ضريبي، وقد أجمعوا على رفضهم التام فرض قوانين ضرائب على البورصة، واصفين الامر بأنه غير مدروس ومتسرع، لأنه يؤثر على تعاملات البورصة والقيمة السوقية للأسهم.
كانت التعاملات في البورصة المصرية معفاة من أي ضرائب، إلا من ضريبة “الدمغة”، والمقدرة بنحو 1 في الألف على إجمالي التعاملات في البورصة، قبل أن تلغيها الحكومة في يوليو/ تموز 2014، وتقر فرض ضريبة على التوزيعات النقدية بواقع 10% بجانب ضريبة أخرى بنسبة 10% على الأرباح الرأسمالية المحققة من الاستثمار في البورصة. ولكن، في الحقيقة، جاء قرار وقف العمل بضريبة الأرباح الرأسمالية تراجعا من حكومة محلب ومخيبا للآمال، ويعد انتصارا للمستثمرين ورجال الأعمال والبورجوازية المستفحلة على حساب المواطنين، وخصوصًا المواطن الفقير الذي يتحمل الجانب الأكبر من زيادة الأعباء الضريبية، نتيجة لجوء الحكومة إلى زيادة الإيراد الضريبي، من دون توسيع القاعدة الضريبية، فقد ضغطوا على الحكومة، بما لديهم من نفوذ وأدوات يملكونها، وعملوا على إسقاط البورصة، وكان لهم ما أرادوا، لأن الحكومة ضعيفة، وضيّعت حق الدولة برضوخها لرغبة المستثمرين والقطط السمان في البورصة، فهم من يصنعون القرارات، حيث فشلت الحكومة، مرة بعد مرة، في فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية، والتي تمثل إجراء ضروريًا من أجل تحقيق العدالة الضريبية وعدالة توزيع الثروات المرجوة، وبوقف الضريبة تكون الدولة قد خسرت أرباحا كبيرة، ما سينعكس على عجز الموازنة العامة الذي تضطر معه الحكومة المصرية إلى الاقتراض من الخارج، لتغطية العجز بين المصروفات والايرادات.
الاقتصاد المصري ذو هيكلية بنيوية معقدة وقديمة، وتلك أحد عيوبه، فعموده الفقري مصاب وفقراته متآكلة، تحتاج الى تدخل جراحي على وجه السرعة، على الرغم من أعراضها الجانبية، فالعلاج يتمثل في برنامج إصلاح اقتصادي، أحد محاوره الرئيسية الإصلاح الضريبي، لتحقيق نوع من التوازن بين الإيرادات الحكومية وسبل وطرق الإنفاق الحكومي وضرورة الحد من النفقات لتقليص مستوى العجز، فارتفاع مستويات العجز في الموازنة وخروجها عن الحدود المتعارف عليها سوف ينبئ بكارثة حقيقية، ليست فقط في تراكم الديون الداخلية والخارجية، بل عدم القدرة على سداد تكاليفها من الأقساط والفوائد، فالبداية يجب أن تكون برؤية شاملة وكاملة، لتحسين إجراءات جمع الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية على أسس قانونية لرفع معدلات الإيرادات، وتفعيل نظام إيرادات التخصيص، وإعادة هيكلة نظام الضرائب المباشرة، وخصوصًا الضرائب على أرباح الشركات والبورصة لتكون أكثر فاعلية وشمولية.
تتهرب البورجوازية الإدارية من الضريبة، لذا يجب وضع مجموعة من القوانين أكثر صرامة وحزمًا بهدف التصدي للتهرب الضريبي، حيث تكون الشفافية صفحته الأولى. وهذا لا يتم إلا من خلال برنامج اقتصادي شامل بأيدي مصرية، جاهز على طاولة التوقيع، من أجل تحقيق التنمية الوطنية والعدالة الاجتماعية، فالاقتصاد المصري كبير ومتنوع، الأمر الذي يجعله قادرا على استرداد مقوماته وانطلاقه وتعافيه في فترة وجيزة، شريطة توفر الإرادة السياسية والعزيمة المجتمعية الوطنية القادرة على تحقيق ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.