أحمد القناوي يكتب | ٢ جنيه .. فئة نقدية جديدة

0

منذ أيام، طالعتنا الصحف الإخبارية ومواقع الإنترنت بقرار رئيس الوزراء بصك عملة معدنية جديدة بقيمة ٢ جنيه لأول مرة في تاريخ البلاد، وتوالت ردود الأفعال، وتراوحت الأراء بين من اعتبر هذا الخبر دلالة على انخفاض القدرة الشرائية للجنيه، ومن افترض أن هذا الإجراء هو تمهيد لسحب الفئات النقدية الأقل مثل النصف جنيه والجنيه، وبين من اعتبرها خطوة جيدة لتوفير التنوع اللازم في الفئات النقدية لتسهيل المعاملات اليومية لقطاعات كبيرة من المواطنين، خاصة أن الدولة المصرية معتادة على إصدار فئات قيمتها ضعف الوحدة الأساسية فقد أصدرت من قبل، النكلة (٢ مليم) و فئة ال ٢ قرش وفئة ال ٢٠ قرشا، وال ٢٠ جنيها و ال ٢٠٠ جنيه.
والحقيقة فقد تم طرح هذة الفكرة لأول مرة عن طريق كاتب هذة السطور، في إحدي جلسات اللجنة الاقتصادية بمجلس الشيوخ، بحضور ممثلي وزارة المالية والبنك المركزي، خلال دور الانعقاد الماضي، كمحاولة جادة لتقليل ما يطلق عليه الاقتصاديون “تضخم الفكة” ولتوفير حوالى ١٢٠ مليون جنيه سنويًا من ميزانية صك العملات الجديدة كل عام.
ولشرح ما يعنيه مصطلح تضخم الفكة لغير المتخصصين، علينا التدقيق في تعاملات البيع والشراء لكثير من السلع والخدمات لقطاعات واسعة من المواطنين من الطبقات الفقيرة والمتوسطة وفوق المتوسطة، والتي يتم معظمها بشكل يومي، مثل شراء البقالة ووجبات الإفطار، ودفع أجرة الميكروباص والتاكسي وغيرها.

وفي معظم هذة التعاملات يفتقر البائع والشاري عادة لوجود عملات نقدية بقيم صغيرة لرد الباقي، إما لعدم توافرها، أو لصعوبة حمل عدد كبير منها، فتضيع قيم الكسور إما بتنازل الشاري عنها، أو بالحصول على سلع رخيصة بثمنها، ومع التكرار اليومي لهذة التعاملات، ومع تكرارها مع كل أفراد الأسرة، يتسبب ذلك فى زيادة أعبائهم المالية شهريا بمقدار لا يمكن تجاهله، حيث تم تقديره في إحدى الدراسات بنسبة تتراوح بين ال ٨% و ١٤% من إجمالى دخل الأسرة شهريا، وهو تضخم إضافي بخلاف التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وهو ما يزيد من الإحساس بالتضخم والتأثر به.

كما أن عدم توافر الفئات الصغيرة من العملة في الأسواق يساهم في مبالغة المصنعين في رفع أسعار منتجاتهم، فإذا ما افترضنا أن مصنعا أراد زيادة سعر منتجه الذى كان يبيعه ب ١٠ جنيهات بقيمة ٣ جنيهات، لتصبح قيمته ١٣ جنيه، ستكون عادة قيمة بيعه الفعلية ١٥ جنيها، فيلجأ المُصنع لرفع سعره ل ١٥ جنيها ليحصل هو على الفارق بدلا من البائع، وهذا ما يرفع بدوره التضخم الناتج عن ارتفاع الأسعار.

والحقيقة أن الدولة قد بذلت جهود كبيرة في محاولة السيطرة على تضخم الفكة، وبالرغم من ارتفاع قيمة المعادن وخامات ورق البنكنوت، إلا أن مصر تنتج شهريا ٣٠ مليون عملة معدنية بقيمة ٣٠ مليون جنيه، لتلبية الطلب على العملات المعدنية في الأسواق.
ويبلغ متوسط التكلفة المعدنية لعملة الجنيه ٩٠ قرشا بأسعار عام ٢٠١٩ (قبل ارتفاع قيمة الدولار في مصر وقبل ارتفاع أسعار المعادن عالميا)، أى أنه من المفترض الآن أن القيمة المعدنية لعملة الجنية تساوى تقريبا قيمته النقدية!
كما لجأت لطبع نسخ ورقية من الجنيه رغم قصر عمرها الافتراضي لمواجهة الطلب المتزايد (التكلفة الورقية حوالى ٤٥ قرشا للجنيه الورقي الواحد).
كما قامت الدولة بتوفير وسائل كثيرة للدفع الإلكتروني وسهلت إصدار البطاقات الإئتمانية، ووفرت منصات الدفع الإلكتروني POS بكميات كبيرة في الأسواق، إلا أنها وإن لبت احتياجات بعض شرائح المواطنين، إلا أنها شكلت صعوبة لقطاعات كبيرة من المواطنين الأكبر سنا، لصعوبة استيعابهم لهذة التكنولوجيا، فضلا عن اعتمادهم عليها، أو الأصغر سنا، لافتقادهم للأهلية أو افتقادهم لشروط إصدار هذة البطاقات.
ومن هنا كانت الفكرة في إصدار فئة نقدية معدنية بقيمة ٢ جنيه لتعزيز التنوع المطروح في السوق من الفئات النقدية، بحيث تتوفر كل بدائل الفكة الفردية والزوجية، ويقل عدد القطع المطلوب حملها أثناء التعاملات، فضلا عن تقليل تكاليف صكها، حيث ستصبح قيمتها المعدنية (قيمة المادة الخام) نصف قيمتها النقدية، وهو ما يوفر شهريا ١٠ مليون جنيه، أي حوالى ١٢٠ مليون جنيه سنويا، بفرض استمرار الدولة إنتاج نفس المعدلات السنوية من العملة.
وللعلم فإن معظم دول العالم، استحدثت هذه الفئة في باقات فئاتها النقدية، تحقيقا لمبدأ الإتاحة، فنجد هذة الفئة في الدولار الأمريكى واليورو والجنيه الاسترليني، كما نجدها في الدينار الجزائري والتونس والدرهم المغربي، كما أن السعودية قد استحدثت فئة ال ٢ ريال سعودي عام ٢٠١٦، رغم قطعها أشواطا كبيرة في رقمنة التعاملات التجارية وفي مجالات التكنولوجيا المالية، كما أن أخبارا أفادت بنية الحكومة التركية لصك فئات معدنية أكبر من فئة ال ١ ليرة.
إن استجابة الدولة لهذة الفكرة، بعد اقتناعهم بجدواها، يعكس الدور الهام الذي يستطيع النائب القيام به، خاصة نائب مجلس الشيوخ، ذلك المجلس الذى يمثل جهة استشارية برلمانية يجمع بين أروقته ذوي التخصصات والخبرات المتنوعة وبين الصفة البرلمانية التي تفرض على باقي مؤسسات الدولة التعامل معه والانتباه لتوصياته.

م. أحمد القناوي، عضو مجلس الشيوخ عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.