أحمد النجدي يكتب | أولويات الحوار الوطني

0

يُعد إطلاق الحوار الوطني الذي دعا إليه السيد رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي فرصة لكل القوي السياسية والمجتمعية في مصر لالتقاط أنفسها بعد رحلة شاقة مع الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي وحرب شرسة ضد الإرهاب، وفرصة أيضا لإظهار قدراتها على طرح حلول عملية ناجحة تقود سفينة الوطن نحو الأمن والتقدم والازدهار. كما تعد فرصة للدولة للاستماع الي القوي السياسية والإجتماعية المؤثرة للمناقشة في جميع القضايا التي تهم الوطن بهدف الخروج بحلول يشترك الجميع في مسئولية صياغتها وتنفيذها.
لذلك, دعت الدولة كل الأطياف السياسية والمجتمعية من كافة التوجهات والأيدلوجيات مثل الأحزاب والنقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدني الفاعلة, حتي أن بعض المعارضين الموجودين بالخارج عادوا للمشاركة.
بعد إعلان مجلس أمناء الحوار الوطني عن تشكيل بعض لجان محاور الحوار، مؤجلا إعلان تشكيلة اللجنة الخاصة بالمحور السياسي، أري من الواجب أن يركز المشاركون على القضايا التالية:
ضمن المحور السياسي، يجب أن يركز المشاركون أولياتهم على ضرورة إطلاق حزمة تشريعات جديدة تتناسب مع ظروف العصر الحالي الذي نعيشه والملقب بعصر المعرفة والتقنية والمليء بوسائل الاتصال السريعة والتشارك والتفاعل الرقمية، تلك الحزمة تحل محل كل القوانين والتشريعات والقرارات التي تمتلئ بهم خزائن كافة الجهات والتي بدأ إصدارها منذ عصر ما قبل محمد علي باشا إلي الآن. وتلك ضرورة نظرا لأن طبائع الناس وطلباتهم واحتياجاتهم تغيرت وتحتاج إلى تشريعات تحمي وتلبي تلك الطلبات وتتناسب مع الطبائع الحالية. تهدف تلك الحزمة الجديدة إلى إطلاق موجة من التحديث والتقدم بآليات العصر الحديث بدون عوائق.
يجب الاهتمام أيضا ضمن المحور السياسي بإطلاق حرية تشكل الأحزاب واندماجها وحلها من خلال حزمة تشريعات حديثة، وتمكينها من أداء دورها الأساسي وهي التعبير عن احتياجات المواطنين وصنع سياسات تتناسب وآمالهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل. كما يجب إتاحة الفرصة للأحزاب للتواصل مع المواطنين سواء بالوسائل التقنية الحديثة أو من خلال التواصل المباشر في الشارع مع تقديم الدعم المادي والمعنوي لتلك الأحزاب، من خلال إتاحة الفرصة لتلك الأحزاب بالتعبير عن آرائها وبرامجها من خلال التلفزيون والإذاعة والجرائد الحكومية أو وسائل الدعاية المرئية والمسموعة المملوكة للدولة بالإضافة إلي استخدام قاعات ومسارح الدولة ومراكز ومعسكرات الشباب وكافة الوسائل التابعة للدولة. كما يجب إتاحة الفرصة للأحزاب لكي تنمي مواردها المالية والمادية والبشرية دون عوائق وتحت إشراف الجهات المعنية.
بالإضافة إلي كل ماسبق, يجب إقرار حزمة من التشريعات التي تمكن الأحزاب من الترشح والفوز بتمثيل نيابي في المجالس التشريعية والرقابية (نواب-شيوخ-محليات-أخري) يتناسب مع حجمها الحقيقي في الشارع ولا يهدر أي صوت من أصوات الناخبين. كما يجب أن تتضمن الحزمة قوانين وقرارات تسهل عمل منظمات المجتمع المدني وتسمح لها بالعمل علي تخفيف الآثار الناتجة عن المشاكل الإقتصادية والإجتماعية الموجودة حاليا. وأخيرا حزمة من القرارات والتشريعات التي تمكن الشعب من المشاركة بشكل مباشر وفعال في صياغة سياسات التنمية الشاملة والمستدامة.
أما على صعيد المحور الاقتصادي، وبعد التأكد من أن الأموال الساخنة والاستثمارات السريعة لا تخلق تنمية حقيقية, وجب وضع مشروع قومي يضمن لمصر الريادة في مجال الصناعات عالية التقنية وصناعات المعرفة والبرامج. فمثلا الهند تصدر بمفردها بما يزيد عن 150 مليار دولار سنة 2020. شبكة يامير للتواصل الاجتماعي Yammer مثلا اشترته مايكروسوف بمبلغ 1.2 مليار دولار!
يجب أيضا وضع استراتيجية وطنية للنهوض بالصناعات عالية التقنية مثل صناعة السيارات الكهربائية والخلايا الشمسية وغير ذلك من الصناعات التي تجلب استثمارات بمبالغ ضخمة وتستطيع تحقيق صادرات بأرقام كبيرة جدا. وأيضا الإهتمام بالصناعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بالأخص الصناعات المكملة منها, وذلك لقدرتها علي تشغيل عمالة كثيفة وارتباطها بصناعات أكبر منها.
وهذا لن يتأتي إلا من خلال خطة عمل وطنية تتضمن حزمة من القوانين والقرارات التي تسهل الإستثمار في القطاعات الإنتاجية في مصر بشكل حقيقي, فالمستثمر المحلي أو الأجنبي يضيع في متاهات البيروقراطية الحكومية.
كما يجب أن تتضمن الإستراتيجية خطة عمل وطنية حقيقية لإدماج الإقتصاد الغير رسمي في الدولة تتضمن رفع القيود والرقمنة الكاملة وتسهيل الإجراءات.
كما يجب أن تتضمن خطة التنمية الإقتصادية خطة عمل وطنية حقيقية لزيادة معدلات الإدخار القومي (الوطني) وذلك لاستخدامها في الاستثمارات القومية بدلا من انتظار المستثمرين الأجانب, فضلا عن الإدخار القومي للأفراد والشركات يحميهم بقدر كبير من التقلبات الحاصلة في الأسواق.
كما يجب أن تتضمن خطة التنمية خطة عمل وطنية لتسهيل الإستثمار المصري في أفريقيا مما له من فوائد علي مستوي العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية, وتضمن دخلا اضافيا لمصر من خارج الحدود.
أما على الصعيدين الثقافي والعلمي، فيجب وضع استراتيجية لاصلاح منظومة التعليم الفني والعام الحالية بشكل كامل علي جميع المستويات وذلك لاخراج خريجين فنيين وجامعيين مطابقين لمتطلبات السوق المصرية والعربية والأفريقية (والأوروبية إن أمكن)، بعد ذلك يتم تصدير العمالة المصرية المؤهلة تلك إلى تلك الأسواق، الأمر الذي يقلل من نسب البطالة المرتفعة ويمنح مصر قدرات اقتصادية من خلال التحويلات المالية الذي ستجنيها تلك العمالة المهرة التي ستحصل على دخول مرتفعة بسبب تأهيلهم وتدريبهم الجيد. وفي ذلك السياق يجب الاهتمام بالمدارس الصناعية وبالجامعات العمالية وبمراكز التدريب المهني ومراكز التأهيل المهني وتوفير المدربين والأدوات اللازمين لمنح الخريجين القدرات اللازمة للانخراط بقوة في سوق العمل. كما يجب وضع خطة عمل وطنية تهتم بالرياضات واخراج قامات رياضية قوية تتمكن من حصد انجازات عالمية, حيث أن الرياضة لم تعد هواية فقط بل أصبحت جزءا مهما من صناعة الترفية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.