أحمد جمعة يكتب | العدو الذي نظنه صديق

0

لم يعد العالم اليوم آمنًا، هذا ما يردّدهُ الفرد منا، امرأة أو رجل، بشتى ثنايا الكرة الأرضية، أصبح الخوف عدو الجميع، الخوف من الموت، من المرض، الحرب، بطش الطبيعة، من كل ما يحيط بالإنسان، الأغنياء يعالجون الخوف بالمستشفيات النفسية، والفقراء يكتفون بالتعويذات، لاعتقادهم بأنها تحرسهم من الشر الذي يشمل الخوف من كل ما ذُكر آنفًا، الخوف صار يبطش بالإنسان طوال الوقت، يحتضنهُ وينام معه، يستيقظ معه، ما يكاد يغمض عينيه ويضع رأسه على الوسادة، حتى يهاجمه الخوف، وما أن يفتح عيناه حتى يرى الخوف أمامه، مهددًا إياه في وظيفته وفي لقمة عيشه، وفي جسده كلما شعر بتغييرٍ طفيفٍ حتى تأهب واستقبل الخوف وراح يتصارع معه طوال النهار، حتى يشعر بالتعب والانهاك ويستعد لزيارة أخرى من الخوف عندما يتابع نشرات الأخبار أو يشاهد فيلمًا سوداويًا، أو يسمع عن إصابة قريب أو صديق بالسرطان حتى يُخيّل إليه أنه قريب من هذا الجدار.
لم يعد العالم بخير، هكذا يردّد حتى لو أصبح العالم بخير في نواحي أخرى وهذا عقلاني لحدٍ ما، فأن ما يمرّ به من أخبار وشائعات وحملات مكثفة من وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تصب في زرع الخوف بضفتين أساسيتين، الموت والمرض، هذين العدوين الشرسين المستعصيين على البشرية منذ الأزل، هما اللذان يشكلان العدو الكونيّ رغم كل ما في العالم من صور جميلة وأفكار إيجابية، فإن الخوف من الموت والمرض لا مفرّ منهما طالما وُلِدا مع ولادة الكوْن، ورغم ذلك فإن قناعة الإنسان بوجودهما هوما يسبب تعاسته، حتى لو كان بإمكانهِ أن يحتفي ويسعد بكل ساعة من حياته، ولكن بمجرّد أن يصحو مع أول إطلالة نور من شرفة المجرّة حتى يخاف، مع أنه يمكن استغلال هذه الومضة لحياة أفضل، مع العلم أنه بصحة أفضل من الجميع وبعيد من الموت بأميالٍ مما يجري على جبهات حروب الإنسان والطبيعة، ورغم ذلك يهاجمه الخوف.
أينما توجهت يلاحقك الخوف، هذا ما تظنه أو تعتقدهُ الغالبية، والحقيقة التي تغيب عن الاذهان هي أننا نحن من نلاحق الخوف وليس هو من يلاحقنا، والدليل إننا بمجرّد أن ننساه لومضةٍ وننشغل بأمرٍ هام يختفي من حولنا.
طالما نفكر فيه ونفكر بالتحدي في الموت والمرض، فأن الخوف صديقنا، الذي اخترناه بأنفسنا رغم علمنا بأنه عدونا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.