أحمد شعبان مجرية يكتب | حين تنجو القاهرة ينجو الإقليم
منذ اندلاع ما أُطلق عليه “الربيع العربي” في عام 2010، دخل الشرق الأوسط واحدة من أخطر مراحل تاريخه الحديث.
وبينما كان المشهد الظاهري يُقدَّم للعالم على أنه ثورات شعبية ومطالب تغيير وإصلاح، كانت خلف الكواليس تجري عمليات
هندسة سياسية معقدة تقودها قوى دولية وإقليمية هدفها إعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالحها الخاصة.
لم يكن سقوط أنظمة كبرى مثل العراق وسوريا وليبيا واليمن مجرد مصادفة أو نتيجة حتمية لتحركات داخلية. صحيح أن لكل
دولة ظروفها وأخطاؤها، لكن الحقيقة التي باتت تتكشف — بل يعترف بها علنًا بعض قادة القوى الإقليمية اليوم — أن ما
جرى كان جزءًا من مشروع متعمد لتفكيك الجيوش الوطنية وإسقاط الأنظمة المركزية. الولايات المتحدة، بريطانيا، حلف
الناتو، وإسرائيل، جميعهم لعبوا أدوارًا مباشرة أو غير مباشرة في هذا المخطط. إسرائيل بشكل خاص لم تُخفِ يوماً فرحتها
بتدمير الجيش العراقي، ولا بإضعاف الجيش السوري، ولا بانهيار الدولة الليبية وتفتيت اليمن. الأخطر أنها باتت تعلن مؤخرًا
أنها ساهمت فعليًا في إسقاط نظام الأسد، باعتباره آخر تهديد عسكري عقائدي لحدودها.
وسط هذا المشهد المظلم، تتساءل بعض الأصوات داخل المنطقة: لماذا تصر مصر على تسليح جيشها بهذه القوة؟ ولماذا تطلق
مشروعات تنموية بهذا الحجم؟ ولماذا تسابق الزمن في البناء والتعمير؟ الإجابة ببساطة: لأن الدولة المصرية تدرك أنها آخر
جدار صد حقيقي أمام استكمال هذا المخطط. مصر تعرف جيدًا أنها إن تراجعت، فإن لحظة الانهيار ستكون شاملة، ليس فقط
داخل حدودها، بل على مستوى الإقليم بأسره.
التاريخ والجغرافيا والمصالح تفرض على مصر أن تبقى قوية. هي ليست طرفًا صغيرًا يمكنه الجلوس على الهامش، ولا
دولة يمكن تجاوزها في الحسابات. مصر هي الثقل السياسي والديموغرافي والعسكري الذي إن سقط، سقط معه الإقليم كله في
يد قوى تسعى لإعادة تشكيله وفقًا لمصالحها.
من هنا، لا عجب أن المؤسسة العسكرية المصرية باتت واحدة من الأقوى في المنطقة، ولا عجب أن التنمية الداخلية تسير
بالتوازي مع تعاظم القوة العسكرية. من يظن أن هذه الخطوات ترف أو استعراض قوة، يجهل طبيعة الصراع الحقيقي. نحن لا
نعيش في زمن شعارات، بل في زمن صراع وجود، وصراع خرائط، وصراع موارد.
إن مصر اليوم تدافع عن أكثر من حدودها الجغرافية؛ إنها تدافع عن فكرة الدولة ذاتها في منطقة تُدفع دفعًا نحو التفكيك
والفوضى. قد يتغير شكل الإقليم، وقد تسقط أنظمة وتنهار جيوش أخرى، لكن طالما بقيت مصر واقفة، ستبقى هناك فرصة
لإعادة التوازن. ولهذا، ستظل القاهرة هي الأصل والأساس، شاء من شاء وأبى من أبى