أحمد صابر يكتب | المركزية في التعليم العالي

0

“برجاء التفضل بالموافقة”. بدأت مقالي بتلك الجملة التي اضطررت لكتابتها مرارًا وتكرارًا، ليس على المستوى المؤسسي فحسب، وإنما على مستوى الطلب للتواصل مع وزارة التعليم العالي لطلب قبول أو رفض أو تعليق اتفاقيات مع جامعات أجنبية. حتى لا أبدو كشخص يتبنى أيدولوجية تكره البناء التنظيمي، فإن المركزية التي تطبق في كثير من مؤسسات الدولة خالية من أي فلسفة حقيقة تهدف لتطوير، وإنما في غالبية الأحيان تتحول إلى بيروقراطية معطلة لا جدوى منها. ليتها كانت مركزية تستند على نظام قوي يهدف إلى تطوير فعال!

أولًا.. إن نظام المركزية المطلقة في التعليم العالي يعطل العديد من المبادرات الفردية في الجامعات، نتيجة لافتقادها الاستقلالية في إدارة علاقاتها الخارجية بشكل يحقق لها المنفعة الاقتصادية والتعليمية بشكل حر، وحتى لو انتهت خطابات الوزارة في نهاية المطاف بالقبول، فهو لا يتجاوز كونه نظام رصد غير مبني على أسس حقيقية للقياس والتحسين.

إن ما يجب أن تتدخل فيه الوزارة بشكل فعال، مثل تطوير المناهج مثلًا، وتشكيل لجنة تتعاون مع كافة الجامعات خلال فترات زمنية محددة، لتحديث وتطوير المناهج ضمن فلسفة وأطر محددة مسبقًا من قبل أفضل المستشارين والباحثين من مختلف الخلفيات الأكاديمية، لا يحدث على الإطلاق من الوزارة، إلا في سياق ضعيف ظاهري فقط، فلا زالت العديد من الجامعات المصرية التي أعرفها تستخدم مناهج مهترئة، ضعيفة وركيكة تعتمد على رؤية المدرس الذي ربما لم يعد يقرأ في مجاله منذ إنهاء رسالة الدكتوراه منذ عشرة أو عشرين عامًا، وهو أمر ينذر بكارثة حقيقية.

إن الوزارة تستخدم المركزية في مواضع تتطلب اللامركزية، وتطبق اللامركزية في مواضع تتطلب المركزية، حيث تتدخل وتشترط التدخل في عمليات الموافقة على التعاون الدولي، دون وجود فلسفة حقيقية لذلك، فمن الأساس لا يوجد حتى الآن لدى الوزارة موقع إلكتروني أو منصة موحدة تتعلق بتدويل التعليم العالي تستطيع الوزارة من خلالها تحسين أداء الجامعات أو توفير قنوات تواصل أو حتى تجميع البيانات من الجامعات، لا زالت الخطابات الورقية التي ربما تتكرر 5 مرات خلال نفس العام دون جدوى.

على النقيض من ذلك تترك الوزارة الجامعات والمدرسين المسؤولين يضعون المناهج التي يرونها مناسبة حتى لو تم تدريس منهج من كتاب نُشر عام 1950، وخاصة في الكليات النظرية التي تتعامل معها الدولة بفلسفة تهميش رهيبة، بدلًا من تطويرها لتأهيل خريجيها فكريًا وعمليًا لسوق العمل الدولي.

إن وزارة التعليم العالي إذا لم تتوقف عن الاهتمام فقط بالجوانب التي تتعلق بتحقيق الربح السريع مثل جذب الطلاب الوافدين، وإذا لم تعمل على إزالة العقبات الحقيقية أمام تطوير المناهج وتدويل التعليم العالي بشكل كامل، والتوقف عن الاستخدام المبالغ فيه للسلطة المركزية فيما لا تحتاج التدخل فيه، والتوقف عن التهميش المقصود وغير المقصود للمناهج التي لا زالت تدرس دون معايير أو مراجعات، سوف نقابل معضلة كبيرة في المستقبل تتعلق بجامعات “متطورة ظاهريًا وخاوية من الداخل”، ونظام تعليمي يهتم “بالترتيب الدولي للجامعات ولا يهتم بمخرجات العملية التعليمية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.