أحمد صابر يكتب | تحديات عملية صناعة القرار في مصر

0

أبدأ مقالي بسؤال واضح، هل عملية صناعة القرار في مصر مركزية؟ نعم بكل تأكيد، هل هذا جيد؟ نعم بكل تأكيد، ولكنها تفتقر للعديد من المقومات والعناصر التي تضفي عليها القوة والاستدامة.

إن مصر تتمتع بمركزية طبيعية متفردة تجعل أي محاولات لتحدي قرارات الدولة محكوم عليها بالفشل، على عكس كل من الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، وهما نموذجان بعيدان كل البعد عن بعضهما البعض.
إن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على الفيدرالية اللامركزية وهو ما يجعل تحدي قرارات الإدارة الأمريكية واردًا، رأينا من قبل كيف رفضت بعض الولايات وعلى رأسهم نيويورك تنفيذ قرار ترامب بشأن إعادة الحياة لطبيعتها ومباشرة الأعمال الاقتصادية بعد الموجة الأولى لفيروس كورونا. “Coronavirus: Trump feuds with governors over authority, BBC, Published 14 April 2020”.
رأينا أيضًا كيف أن رغبة بايدن في تخصيص حوالي ٣ تريليون دولار للبنية التحتية مهددة بألا تصير واقعًا نتيجة الصراعات الحزبية في الكونجرس، حيث تم قبول جزء من المبلغ وتأجيل الآخر. وأخيرًا وليس آخرًا شاهدنا التخبط والمماطلة في اتخاذ قرار رفع سقف المديونية الأمريكية. في كل مرة نشاهد مسرحيات متكاملة في عملية اتخاذ القرار، جميعها تثبت أن مركزية الإدارة الأمريكية دائمًا مهددة، ويمكن أن تتوقف العديد من المشروعات نتيجة تعارضها مع مصالح الولايات، أو مجموعات المصالح، أو المصالح الحزبية.
أما عن الصين، فالصين دولة مركزية، لكن بسبب مساحتها الواسعة، وجود العديد من العرقيات، ومع تطبيق سياسات الانفتاح الاقتصادي في منتصف ثمانينيات القرن الماضي وترك مساحة من اللامركزية للتنافس بين المقاطعات وبعضها، نتج عن ذلك فقدان تدريجي للمركزية في بعض المقاطعات، خاصة المتطرفة التي تقع على حدود الدولة، وبسبب ذلك أصبحت العديد من المقاطعات تعارض وتلتف وتحارب سياسات بكين المركزية، وهي واحدة من أبرز التحديات التي تواجه عملية اتخاذ القرار هناك.
بالحديث عن مصر، فليس لدينا “لامركزية أمريكا” التي تهدد قوة الإدارة المركزية وتجعل سياسات البلاد عرضة للتغيير كل أربع سنوات على هوى الحزب الحاكم بغض النظر عن المصلحة العامة، وليس لدينا “مركزية الصين” التي تواجه صعوبات معقدة نتيجة مساحة الدولة والعرقيات ومجموعات المصالح والفساد الحكومي.
نحن أفضل من كلا النظامين ورغم ذلك لدينا مشكلات أخرى، لقد أنعم الله على مصر بمركزية طبيعية فرضها نهر النيل، فليس لدينا مقاطعات أو ولايات تتحدى قرارات الدولة، وليس لدينا مجموعات مصالح خارجة عن السيطرة، أو فساد مستشري بشكل يصعب التعامل معه، ورغم كل ذلك لا أعرف ما الذي يعيق الدولة المركزية من اتخاذ قرارات دقيقة طالما أنه ليس هناك من يتحدى قرارها؟
إن مشكلة عملية صناعة القرار في مصر تكمن في مرحلة “ما قبل اتخاذ القرار”، أعرف أن القرار في مصر ليس قرارًا فرديًا في يد الرئيس وحده، وإنما يعاونه في ذلك حكومة وأجهزة وهو شئ جيد، لكن حتى الآن نفتقر لخطة تفصيلية طويلة الأمد غير قابلة للتجريب أو التغيير وخسارة الوقت والموارد.
إن الصين في تاريخ نهضتها، قضت على فكرة الخطط السنوية والدورية، حيث رأى صناع القرار هناك ضرورة وجود لجان كاملة في الحزب الشيوعي الصيني مهمتها رسم سياسات الدولة بالتفصيل على مدار السنوات القادمة، وبالتالي فإن الوزير هناك لا يمكنه التجريب في الشعب دون دراسات كافية، وإنما يسير وفق مخطط أكبر منه لتنمية الدولة، ووفق دراسات مكثفة واستشارات عديدة.
لكم يطول الحديث في هذا الأمر! ولكي أختصر الطريق على حضراتكم وأكتب ما أتطلع إليه، فإنني أتساءل أين دور الأكاديميين وأساتذة الجامعات والخبراء في عملية اتخاذ القرار؟ إن عملية التنسيق وجمع المعلومات وإجراء المقابلات لاستخلاص وجهات النظر المختلفة هي واحدة من أهم ما تفعله الصين في هذه السنوات، وتجريها أجهزة الدولة والحزب الشيوعي وليست الوزارات التي تميل أحيانًا لإجراء تجارب دون دراسات كافية. يحدث ذلك عبر الاعتماد على أساتذة جامعات وباحثين حيث تستدعيهم أجهزة الدولة بشكل دوري لإجراء مناقشات وتقييمات لسياسات الدولة، وهي خطوة أساسية تسبق عملية اتخاذ أي قرار.
الآن وبكل صراحة، ورغم تأييدي ودعمي المطلق لتطوير التعليم وربطه بالوسائل التكنولوجية الحديثة، فإنني أعترف أنها المرة الأولى التي لا أفهم فيها ما الذي يريده الدكتور طارق شوقي؟ ولأول مرة أستشعر أنه لم تجرَى دراسات كافية قبل عملية اتخاذ القرار تحدد النتائج المتوقعة، الآن طلاب الثانوية لا يفعلون شيئًا كبيرًا بالتابلت الذي تسلموه.
لست هنا لمناقشة مشكلة الوزير، ولكنني أريد أن أقول أن عملية اتخاذ القرار في مصر لا يقابلها تحديات أكبر من اتخاذ القرارات الصحيحة والمستدامة، ولكي يحدث ذلك يجب أن تعمل الدولة على إنشاء مجموعات استشارية من أساتذة الجامعات والخبراء، يكون وجودهم ثابت حتى مع تغير الحكومات، لكي يضعوا سياسات طويلة الأمد نضمن معها أن الوزراء لا يجربون، فليس لدينا وقت أو جهد أو مال لنضيعه في طريقنا لبناء مصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.