أحمد فاروق عباس يكتب | أمسية مع الرواية

0

أنهيت عملى فى الكلية فى حدود الساعة الرابعة عصرا ، فمازالت امتحانات الفصل الدراسي الأول مستمرة من أسبوعين ، وهى باقية معنا حتى يوم أخر يناير ، أى حتى منتصف الأسبوع القادم .. خرجت من مقر الجامعة إلى طريق النصر ، وكان لدى متسع من الوقت قبل الذهاب إلى المنزل للراحة ، استعدادا ليوم جديد … وشاق.
فكرت كيف اقضى وقت الفراغ هذا؟ هل أذهب مثلا إلى إحدى الكافتريات؟ لقد كنت بالأمس في واحدة منها، وشاهدت فيها ماتش الاهلى والمصرى فى الدورى العام ..
تذكرت أننى قرأت من ثلاثة أو أربعة أيام على الفيس بوك أن هناك حفل توقيع لرواية إسمها أكابيلا ، للروائية مى التلمسانى ، وأن هناك بعض من شباب الكتاب والروائيين سوف يناقشون الكاتبة فى روايتها ..
فتحت الموبايل لأرى أين مكان اللقاء وموعده ، وعرفت أنه فى مبنى القنصلية ، خلف حلوانى العبد الموجود في شارع طلعت حرب بوسط البلد .. وأن موعد اللقاء الساعة السابعة مساء .. وعندما وصلت إلى المكان المحدد ، وجدته عبارة عن عمارة قديمة من عمارات القاهرة الخديوية الجميلة ، وكل العمارات المجاورة والمقابلة كذلك ، والشارع كله يحمل الكثير من عبق القاهرة وروحها .. كان مازال أمامى بعض الوقت قبل موعد اللقاء ، التفت حولى فوجدت مقهى اسمه ” البورصة الجديدة ” يشبه مقاهى المثقفين ، ذكرنى بالمقهى الذى أستمع فيه عادل إمام لقصيدة الحلزونة وأبيع نفسى في فيلم مرجان أحمد مرجان ..
جلست في المقهى لبعض الوقت متصفحا في الفيس بوك .. الساعة السابعة دخلت إلى المكان المخصص للندوة الأدبية ، وهو مكان استأجرته دار الشروق – ناشرة الرواية وهى الجهة المنظمة للقاء – وكان المتحدثون على المنصة والضيوف في القاعة ، وعلى المناضد نسخ من رواية الكاتبة تتطلع وتنتظر من يشتريها ، فالغرض النهائي لكل هذا اللقاء – بغض النظر عن أى شئ آخر – هو بيع مزيد من نسخ الرواية .. نسيت أن أقول أننى لا أعرف الكاتبة ، ولم أقرأ لها شيئا من قبل ، ولا حتى الرواية التى أنا ذاهب لحفل توقيعها ، كما اننى لا أعرف ضيوفها ممن سوف يناقشون روايتها .. كنت مجرد مستمع عادى .. وكان بالقاعة مجموعة من الرجال والنساء والشباب ، وعند بداية اللقاء جاءنى تيلفون فخرجت من القاعة ، ثم جاء تيلفون آخر فطالت مدة غيابى عن اللقاء ..
لم أكن أنتظر شيئا من هذا اللقاء الأدبى ، فقط أردت الإستماع ، ومعرفة لمحة عن آخر تطورات الجو الأدبى في القاهرة ، والأصوات الجديدة فى هذا الفرع من الكتابة ، وقبل ذلك كله متابعة شئ مريح للأعصاب بعد يوم عمل شاق في الكلية ، سوف يتبعه يوم شاق آخر .. الغريب اننى توقفت عن قراءة الروايات من سنين ، وقد كنت محبا للروايات واجواءها في الفترات الأولى من العمر.
الروايات البوليسية مثل الشياطين ال ١٣ فى فترة الإعدادية ، ثم نجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله والسحار في المرحلة الثانوية والجامعة.
ولا أعرف لماذا توقفت عن الاهتمام بالرواية بعد ذلك .. فقد استهوتنى الحقائق أكثر من الخيال ، واخذتنى القراءة فى السياسة وفى التاريخ ثم فى الاقتصاد بحكم التخصص والعمل ..
إنتهى اللقاء الأدبى عند التاسعة مساء ، والرواية – كما فهمت – تتحدث عن صداقة فتاتين ، وما يحدث فيها مع تقلب شئون الحياة ، وفى الرواية – كما قال المتحدثون – نظرات فلسفية عميقة ، ورؤية جريئة للحياة ..
ومعنى اسم الرواية – أكابيلا – هو صوت الغناء البشرى منفرداً ، بدون ألات موسيقية أو مؤثرات صوتية .. وعند قرب نهاية اللقاء عرفت بعض الوجوه المشهورة في فن الرواية المصرية فى السنوات الأخيرة ، بحكم ظهورها في الإعلام ، أو شهرتها على وسائل التواصل الاجتماعي .. وكان أغلب ما يلح علىَّ أثناء اللقاء الأدبى وبعده .. لماذا أصبح أغلب الجهد المطبوع والمنشور في مصر فى العقدين الأخيرين ينتمى إلى الأجناس الأدبية عموما ، وإلى الرواية خصوصا؟ ولماذا هيام دور النشر الكبرى والصغرى في مصر بالتوسع فى نشر هذا اللون فى الكتابة .. وبغض النظر عن قيمته ، ولا يمكن القول أن اغلبه جيد .. إن حركة النشر في السنين الأخيرة تكاد تكون قاصرة على نشر الروايات .. لماذا توارت كتب السياسة وكتب الاقتصاد وكتب التاريخ لصالح كتب الرواية والشعر؟ ولماذا توارت كتب العلم وتبسيطه أمام أجيال ناشئة من المصريين يمكن أن يلهب خيالهم هذا النوع من الكتب المهمة جدا ويغير مجرى حياتهم.
هل هناك من يريد للمصريين أن يعيشوا في الخيال أكثر مما يبحثوا عن حقائق حياتهم؟ هل لأنه لا يوجد إنتاج فى الكتابة في السياسة والاقتصاد والعلم يستحق النشر؟
لا أعرف فى الحقيقة .. ولكن ما أعرفه أن مصر تحتاج فى هذا الزمن إلى الحقائق أكثر من حاجتها إلى الخيال .. تحتاج إلى من يقدم لها الحقائق والوقائع ومحاولة فهمها وتفسيرها أكثر من حاجتها إلى الخيال الروائي والادبى .. وأن يكتب مفكروها وكتابها فيما حدث وما يحدث أكثر من حاجتها لمن يروى لها قصة أو يكتب قصيدة .. ومع نهاية اليوم الطويل ، الذى بدء مع طلاب الجامعة وامتحاناتهم وصخبهم ، وانتهى بأجواء أكثر رومانسية رجعت إلى المنزل للنوم، استعدادا ليوم آخر طويل .. وشاق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.