أحمد فاروق عباس يكتب | التلاعب في الانتخابات الأمريكية (3-3)

0

في انتخابات ١٩٦٨ كان الفرق في التمويل بين نيكسون وهيوبرت همفري واضحا جدا لصالح نيكسون ، وهو مؤشر قوي لأين يوجد قلب وعقل القوي المتنفذة والتي تحكم أمريكا من وراء ستار ، فقد كان لدي نيكسون أموال أكثر بكثير لإنفاقها علي الدعاية ضعف ما كان لدي همفري والديموقراطيين ، في عصر اصبحت الدعاية فيه روح السياسة ، وأصبح التأثير فيه للصورة وليس للرجل ، وللانطباع وليس للاقتناع ..

وكان هناك – بالإضافة الي المال الوفير والدعاية المؤثرة – الحيل المألوفة في كل انتخابات ، فقد كانت هناك حافلات مليئة بأتباع نيكسون تلاحق همفري من تجمع الي تجمع للمشاغبة والتشويش عليه ، ومحاولة إغراق خطاباته بصراخهم !!

كما كانت هناك حيل أخري أكثر ذكاء وخفاء ، فقد كان لنيكسون جاسوس في حملة همفري ، أسمه سيمور ف يدين ، وكان اتباع همفري يعرفونه كصحفي ، وهو عميل قديم لوكالة المخابرات المركزية – !! – وكان يقدم تقاريره عن همفري وحملته ثلاث مرات في اليوم لنيكسون والجمهوريين، وقد لعب فريدين دوره ذلك في انتخابات ١٩٦٨ وانتخابات ١٩٧٢ وكلاهما فاز فيهما نيكسون ، وكان له اسم رمزي مشفر ” صديق تشابمان ” ، وتشابمان هو الاسم الذي كان يستخدمه نيكسون عندما كان ينزل في أحد الفنادق ويريد البعد عن الأنظار ..

وحتي الستينات كانت ولاية جورجيا ولاية ريفية متأخرة عن باقي الولايات ، وكانت الجرائم الانتخابية والتلاعب في الانتخابات هو السائد ، فقد كان يتم ملء صناديق الاقتراع بشكل روتيني ( تسويد البطاقات لمرشح ما ) حيث كان يتم استبعاد الناخبون السود تماما ، في حين كان الناخبون البيض المعارضون يتعرضون للترهيب والأذى ، وقد مورس التزوير بصورة فاضحة ضد جيمي كارتر مرشح مجلس النواب في بداية الستينات – عام ١٩٦٢ – واعترض كارتر وقتها علي التزوير ومعه توكيلات من ١٠% من الناخبين ، وبعد ان كان خاسرا واعلنت النتيجة الرسمية بهزيمته أعاده القضاء وأعلن فوزه بعد اثبات تزوير الانتخابات ضده ، وقالت زوجته بعدما رأت مع تم فعله مع زوجها ان السياسة في الجنوب ” عمل قذر ” ، وكان كارتر قد تلقي تهديدات شملت حياته وممتلكاته ( تلقي تهديد بحرق مستودع الفستق الذي يمتلكه ) ..

وعقب انتخابات بوش الابن وآل جور عام ٢٠٠٠ تحولت الانتخابات الامريكية عالميا الي مادة للسخرية والاستهزاء ، ورأي العالم بعينيه كيف تحققت الحكمة المشهورة التي تقول ” ان الذين يدلون بأصواتهم لا يقررون شيئا ، بل الذين يحصون الأصوات هم الذين يقررون كل شيء ” ..

وفي تلك الانتخابات فاز آل جور بالتصويت الشعبي بنصف مليون صوت ، واظهرت كل استطلاعات الرأي فوز أل جور في فلوريدا ، وتبين ان آلاف الناخبين الملونين – وهم أنصار تقليديون للحزب الديموقراطي ومرشحه – واجهتهم عقبات غامضة في أماكن التصويت أو اكتشفوا أن اسماءهم غير مسجلة علي قوائم من يحق لهم التصويت ، وكذلك ظهرت حافلات ممتلئة بأشخاص كوبيين معادين لكاسترو في أماكن التصويت في فلوريدا الجنوبية ليدلوا بأصواتهم كمواطنين أمريكيين !!

وللمساعدة في قلب النتائج ظهر علي سطح الاحداث عمدة ميامي أليكس بينيلاس وهو من الحزب الديموقراطي كانت له خلافات مع بيل كلينتون ونائبه آل جور ، وقد أعطي عمدة ميامي موافقته علي ايقاف إعادة عد وإحصاء الاصوات ، وفي النهاية وصلت حافلات محملة بأعضاء الحزب الجمهوري الي فلوريدا لإخافة رجال الاحصاء ، كما أدي وجود عشرات المسلحين الكوبيين الي وقف العد الفعلي للأصوات !!

ومن ناحية اخري تم الضغط علي المحكمة العليا – التي رفع اليها الامر للفصل في النزاع – كي تصدر قرارها الملائم ، وكان اليقين انه يمكن الاعتماد علي تلك المحكمة ” الجليلة ” لإيجاد المخرج القانوني المناسب ، ولم تخيب المحكمة الشامخة الأمال وأعلنت في حكمها أن الديموقراطية الأمريكية لا تتضمن إعادة فرز الاصوات ، واستجابت وسائل الاعلام المسيطر عليها ودون مجرد تشكك أو تساؤل وأعلنت فوز جورج بوش الابن بالرئاسة!!

يمكن بسهولة – وبأثر رجعي – معرفة لماذا فعلت المؤسسة الحاكمة للولايات المتحدة كل ذلك لإيصال بوش الابن للموقع الاول في أمريكا ، وذلك ما ظهر في السنوات اللاحقة ، فقد كانت الفئة الحاكمة تريد رجلا متواضع القدرات جدا تقوم وراءه بمجموعة من الخطوات شديدة الوقع وتأخذ باسمه مجموعة من القرارات شديدة الخطورة ..

ففي تلك السنوات – وبعد تولي بوش الابن منصبه بشهور – وقعت حوادث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ وهي قضية ملتبسة مازال الغامض من وقائعها أكبر بكثير من الظاهر ، ثم حرب افغانستان واحتلالها في أكتوبر ٢٠٠١ ، ثم حرب العراق واحتلاله في أبريل ٢٠٠٣ ، ثم ما أسمته امريكا ” الحرب العالمية ضد الارهاب ” وهي حرب قالت امريكا انها حرب لا نهاية لها !!

وهي ايضا سياسة لا تقل غموضا عن احداث ١١ سبتمبر ..
وطوال صيف ٢٠٠٣ ترددت في واشنطن اصداء خططها لتغيير الشرق الأوسط نظما حاكمة وافكارا ونمط حياة ، وفي فبراير ٢٠٠٤ ظهر مشروع الشرق الاوسط الكبير وبداية جهود خلخلة الاوضاع في العالم العربي – وسياسة الفوضى الخلاقة – والتي قادت الطريق الي اضطرابات و” ثورات ” الربيع في العالم العربي ..

كان لابد اثناء كل ذلك من وجود رجل مسيطر عليه تماما من المؤسسية الامريكية الحاكمة ..
كان للمؤسسة الحاكمة ضروراتها في كل عصر لإنجاح مرشح ما واسقاط منافسه، علي الرغم من عمليات ” الفلترة ” التي تتم في أكثر من مرحلة، ولا تسمح الا بصعود المسيطر عليهم تماما، الا انه في بعض مفاصل التاريخ الكبرى تكون العين علي مرشح بالذات ، ليس مهما كفاءته ، علي العكس فعدم كفاءته أكثر مناسبة هنا ، ولكن كواجهة مناسبة تسمح بتمرير سياسات شديدة الوقع أو شديدة الخطورة ، والمطلوب أن تنسب هذه السياسات الي الرجل الجالس في البيت الأبيض ..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.