أحمد محمد توفيق يكتب | غزة .. صحوة جيل

0

عُبوتا تمر أضافها أبنائي إلى سلة المُشتريات بأحد المتاجر، مع رجاء دفع الثمن من مصروفهم الخاص، لإرسالها إلى أطفال غزة عبر إحدى القوافل الإنسانية المُنطلقة من قلب مصر نحو منفذ رفح، كان لهما أبلغ الأثر لأن أتساءل عن مدى تأثير الأزمة الراهنة في فلسطين على وعي أبنائنا؟
تُشيرُ نتائج المُتابعة والرَصد في الفضاء الإعلامي مُنذ السابع من أكتوبر الماضي، إلى عودة القضية الفلسطينية إلى صدارة الذهن العربي، وإن صاحب ذلك تكلفة باهظة، كسرت حتى لحظة كتابة هذه السطور حاجز الـ ٢٠ ألف شهيد و ٥٠ ألف جريح، لتظل هذه الصحوة أمراً يخدمُ بلا شك تلك القضية الأزلية بشكل مؤثر، وهو ما يحرص عليه أهالي فلسطين أنفسهم من خلال الدأب على تداول قضية الأرض ومفتاح البيت جيلاً بعد جيل، كي لا تندثر الحقيقة مع تعاقب الأزمان، وتظل راسخة للأبد في الوُجدان.
عودة الروح للقضية الفلسطينية هذه المرة لم تقف عند حُدود السياسيين والمراقبين بالدائرتين العربية والإسلامية، أو الأجيال الشاهدة على مجازر سابقة، فقد كان للمآسي الإنسانية التي تعتصر أهالي قطاع غزة، أثرٌ بالغ في قلوب وعقول أجيالٍ من الصغار لم تُعاصر فصلاً من فصول تلك القصة الدامية، حيث نتج تفاعلٌ عاصف من جانب هذه الفئة اليافعة، من نبذ علامات تجارية دعمت قوات الكيان المحتل بشكل فج خلال الأزمة، مع اهتمام هذه البراعم بفهم جذور القصة منذ مهدها، وإدراك حقيقة الصراع.
هذه الصحوة التي أصابت جيلاً يقرأ لأول مرة أبجدية الصراع العربي الإسرائيلي ترجع إلى سببين، الأول: أن الأطفال ـ ومعهم النساء ـ تتجاوز نسبتهم ثلثي حجم ضحايا العدوان الأخير على غزة، برقم تجاوز ٧ آلاف طفل بحسب “يونيسيف”، بخلاف المفقودين من الصغار الذين يفترض أنهم تحت الأنقاض، وهي أرقام مُرشحة للزيادة بمنتهى الأسى، والثاني: هو أثر التكنولوجيا التي ساهمت في خلق انتشارٍ واسع للعديد من القصص المأساوية من القطاع إلى كافة أصقاع الأرض، وبالتالي تدشين جبهة تضامن ضد هذا الاعتداء السافر على حياة مدنيين أبرياء غالبيتهم أطفال، يغتصب العدو حقهم في الحياة والأمن والتعليم والمسكن ودفء العائلة.
إدراكُ أبناءنا لحقيقة الصراع على أرض فلسطين هو صحوة جيل تكتسب أهميتها من دقة الظرف الإقليمي والعالمي، ولكنها تُحتم علينا جميعاً كمؤسسات رسمية وتعليمية ودينية وأهلية وأسرية، ضرورة البناء على تلك الصحوة كي لا تغدو فقاعة تنفجر سريعاً ليتبخر أثرها، وإنما كُرة ثلج تتضاعف بالتدريج، لينسج الإدراكُ سياجاً من الوعي يتسلحُ به هذا الجيل في مواجهة تحدياتٍ جيوسياسية تفرض آثاراً بالغة الخطورة على المنطقة والعالم، وخاصة على مصر، التي تُحيط بها الاضطرابات من كل صوب وحدب، دُون أن تُحجِم يَوماً عن أداء دورها التاريخي في احتواء الأزمات، ومد يد العون لضحايا الصراعات، وسطَ عالمٍ فقد الكثير من انسانيته.
ربما يُقَدِّر الله لأزمة قطاع غزة، أن تنتهي خلال أسبوع أو شهر أو عام، إلا أنها ستترك ندبة عميقة في جبين الضمير الإنساني، وصحوة في قلوب جيل يافع، عاصر لأول مرة نكبة دامية على أرض فلسطين، لا تختلفُ عن نكبة عام ١٩٤٨، فهدف الإثنين كان التهجير، بقدرٍ بالغٍ من القسوة والانتقام.. حفظ الله مصر.. ورحم شهداء فلسطين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.