في السادس من أبريل الماضي، كتب الصحفي الفلسطيني” أنس جمال الشريف” وصيته الأخيرة، وهو يدرك أن الموت قد يسبقه إليها، واليوم، بعد استشهاده أثناء تغطيته الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، خرجت وصيته إلى العلن، لتسرد قصة رجل جعل الكاميرا والقلم درعاً و صوتاً لشعبه.
في وصيته، كتب أنس” . إن وصلتكم هذه الكلمات، فاعلموا أن إسرائيل نجحت في قتلي وإسكات صوتي.
أولاً، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. يعلم الله أنني بذلت جهدي وطاقتي لأكون سنداً وصوتاً لشعبي، منذ أن فتحت عيني على الحياة في أزقة وشوارع مخيم جباليا للاجئين. كان أملي أن يطيل الله في عمري لأعود مع أهلي وأحبابي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان (المجدل) المحتلة..
لقد عشت الألم بكل تفاصيله، وتذوقت العذاب والفقد مرات عديدة، ومع ذلك لم أتردد يوماً في نقل الحقيقة كما هي، دون تحريف أو تزوير، ليشهد الله على من سكت، وقبل بقتلنا، وخنق أنفاسنا، ولم تحرك قلوبهم أشلاء أطفالنا ونسائنا المتناثرة، ولم يفعلوا شيئاً لوقف المجزرة التي يواجهها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أستودعكم فلسطين، جوهرة تاج العالم الإسلامي، ونبض كل حر في هذا العالم. أستودعكم شعبها، أطفالها المظلومين الأبرياء الذين لم يحالفهم الحظ بالحلم أو العيش بسلام وأمان. أجسادهم الطاهرة سُحقت تحت آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، ممزقة ومبعثرة بين الجدران. أحثكم ألا تُكتموا القيود، ولا تُقيدكم الحدود. كونوا جسورًا نحو تحرير الأرض وشعبها، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة”.
كما أثنى على عائلته وخاصة والدته زوجته “أم صلاح بيان” التي وصفها بالصامدة “كجذع الزيتون الذي لا ينحني” وولديه شام وصلاح، ودعا أن يكونا سنداً له بعد الله.
واختتم رسالته بالتأكيد على أنه “يموت ثابتًا على المبدأ”، طالبًا من الجميع الدعاء له بالمغفرة والقبول، وقائلًا: “لا تنسوا غزة… ولا تنسوني من صالح دعائكم”
حاول الاحتلال تبرير جريمة اغتيال أنس الشريف، فوصفوه، كاذبين، بأنه “إرهابي متنكر بزي صحفي”، لكن العالم وصف أنس الشريف بـ”الشريف المناضل الذي قدم روحه فداءً لتظهر حقيقة الاحتلال البغيض واضحة أمام العالم”.
وسكت صوت الحقيقة، الذي لم يفتر منذ 7 أكتوبر 2023، مع بداية حرب الإبادة الجماعية على غزة من قبل جيش الاحتلال، لكن حلقات إظهار الحقيقة مستمرة ولن تتوقف.
هذا الحادث، الذي أثار موجة إدانات فلسطينية ودولية، أُعتبر ليس مجرد استهداف لأفراد، بل جزءاً من استراتيجية إسرائيلية أوسع تهدف إلى إسكات الأصوات الصحفية التي توثق الأحداث في غزة، خاصة في سياق التحضير لعملية عسكرية محتملة لاحتلال القطاع بالكامل.
وختاماً:- اغتيال الشريف ورفاقه ترك أثراً عميقاً على أهل غزة، فالشريف لم يكن مجرد صحفي، بل رمزاً للصمود