أسامة السعيد يكتب | من يصنع السلام حقا؟!

0

جائزة نوبل للسلام، واحدة من أرفع الجوائز التي تمنح سنويا سواء لشخصيات أو مؤسسات قاموا حسب نص وصية ألفريد نوبل مخترع الديناميت ومؤسس الجائزة -“بأكبر قدر أو أفضل عمل للتآخي بين الأمم، من أجل إلغاء أو تخفيض الجيوش الدائمة ومن أجل الحفاظ على السلام وتعزيزه”.
الجائزة تُعلن في العاصمة النرويجية أوسلو في العاشر من ديسمبر من كل عام، من قبل اللجنة النرويجية لجائزة نوبل، وتختار المترشحين للجائزة هيئة يعينها البرلمان النرويجي.
وأنا هنا لا أريد أن أستعرض الجوانب التاريخية لتلك الجائزة رفيعة المستوى عالميا، ولكن حقيقة أود التوقف أمام اختيارات مثيرة للدهشة للفائزين على مدى العقدين الماضيين، وهي اختيارات لا يبدو أنها ترقى فوق مستوى الأسئلة والاندهاش، ولا حتى الشبهات!!
صحيح أن تلك الجائزة فازت بها مؤسسات عظيمة القيمة في مجال العمل الدولي الإنساني، مثل الأمم المتحدة والصليب والهلال الأحمر الدوليين، كما حظيت بها أسماء بارزة في مجال العمل السياسي الدولي، من أمثال الرئيس الراحل أنور السادات، والزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، وداعية الحريات المدنية مارتن لوثر كينج والأم تريزا وغيرهم، إلا ان اختيارات الفائزين بتلك الجائزة خلال السنوات الأخير تجعلنا – وياللأسف والأسى – نترحم على تلك الأسماء الكبيرة التي استحقت قبل أعزام بعيدة ذلك التكريم عن جدارة، بينما الفائزون المحدثون لا يرتقون إلى نفس المستوى.
تأملوا معي مثلًا أسماء مثل الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، الذي فاز بالجائزة عام 2009، رغم أنه بات لاحقا المسئول الأول عن مشروع التمكين الإخواني في المنطقة العربية، المسمى ظلما وتضليلا “الربيع العربي”، وهو المشروع الذي ساهم -ولا يزال- في تخريب العديد من الأوطان العربية وتشريد الملايين من أبنائها.
وهناك أيضا “الإخوانية اليمنية” توكل كرمان، التي فازت بالجائزة عام 2011، ربما لأنها لم تدخر جهدا – والحق يقال- في استخدام سطوة وسائل التواصل الاجتماعي في تخريب وطنها، وتشريد شعبها، ومناصرة مشاريع التقسيم السياسي والطائفي لبلادها، حتى بات اليمن السعيد “تعيسا” بسبب “توكل” وأشباهها، التي “توكلت” على دعم التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، وبدلا من محاسبتها على المساهمة في تمزيق وطن وتشريد شعب، تم اختيارها ضمن “مجلس حكماء” موقع “فيسبوك”، لتكون مسئولة عن تحديد شكل المحتوى في الشرق الأوسط، فأي حكمة تلك التي يمكن لواحدة لا تجيد سوى لغة التحريض والفتنة أن تقدمها، والحكمة الحقيقية تخبرنا أن “فاقد الشيء لا يعطيه”!!
ويمكن أن نمد الخط على استقامته لنصل إلى عام 2019، لنجد رئيس الوزراء الأثيوبي آبي أحمد يفوز بالجائزة المرموقة، وهو الرجل الذي يدفع ببلاده اليوم إلى حافة الهاوية، ويشعل بسياساته المتخبطة حربا أهلية يمكنها أن تلتهم الأخضر واليابس في بلد يقبع فوق برميل بارود مشتعل من القوميات والعرقيات المتصارعة، فلم يستطع “صاحب نوبل للسلام” أن يقدم نفسه كرجل سلام، ولم يفلح في أن يحسم الصراع كقائد عسكري، بل كل ما أفلح فيه هو افتعال الأزمات، واستخدام خطاب تحريضي وتهييجي مثير للشفقة في أزمة سد النهضة للتغطية على فشل سياساته داخليا، والتمسك بقشة افتعال الأزمات الخارجية، عله ينقذ ما تبقى في مستقبله السياسي.
أيها المسئولون عن اختيار الفائزين بجائزة “نوبل للسلام” أما آن لكم أن تدركوا أن صناع السلام الحقيقيين هم من ينقذون أوطانهم من براثن الإرهاب والضياع، ويضعونهم على طريق البناء والتنمية المستدامة، وأدعوكم لتتأملوا ماذا قدمت مصر لمكافحة الإرهاب وتطهير أرضها منه.
ألم تدركوا أن صناع السلام الذين يستحقون التكريم، هم من يمدون يد العون لأشقائهم وجيرانهم، ويستخدمون قوتهم لوقف الحروب والحد من الصراعات، وليس إشعالها وتصديرها لدول الجوار، ولعلي أذكركم بما فعلته مصر لإخماد نار الحرب في ليبيا وغزة وغيرها، وما تقدمه من دعم للأشقاء العرب والأفارقة.
لو كانت قواعد جائزة “نوبل للسلام” تُمنح وفق مقاييس عادلة، لاستحقت “مصر 30 يونيو” الجائزة عن جدارة واستحقاق، لكن العدل قيمة يبدو ستبقى غائبة عن الساحة الدولية.

* د. أسامة السعيد، نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.