أكمل نجاتي يكتب | كهنة المعبد وحرق الموازنة
كان في مصر القديمة ارتباطًا بين تزايد أهمية المعبد ومعبوده من جهة، وبين نفوذ الكهنة فيه من جهة أخرى؛ حيث إنه كلما ارتفعت أهمية المعبد، كلما ازدادت معه أهمية ونفوذ الكهنة الذين يخدمون فيه، وقد كان النظام الإدارى فى المعبد يقتدى تنظيمًا كهنوتيًا معينًا؛ نظرًا لوجود طبقات كهنة عُليا، وطبقات دُنيا، وطبقات كهنة مساعدين.
في العصر الحديث توارث الهيكل الحكومى لمصر وظيفة كاهن المعبد، فكانت إدارات الحسابات والموازنة بوحدات الجهاز الإدارى هى المعبد، والكهنة، بالمعنى المهني، هم الموظفون المسئولون عن حرق الموازنة، ويمتلكون الأسس والقرارات المُنظمة والتي تحميهم من المسائلة.
يتم حرق الموازنة بأن يقوم المسؤولون بصرف باقى الاعتمادات المالية المتاحة بالجهة على أي بنود، المهم ألا يتم إعادة أية مبالغ إلى الخزانة العامة للدولة. وكان الكهنة يبررون هذا بأنه إذا ما تم إرجاع تلك المبالغ فإن وزارة المالية سوف تُخفض موازنة الجهة في العام المقبل، وهذا قول حق يراد به باطل. لذا كانت فلسفة التخطيط المالي في الجمهورية الجديدة هي إلغاء مهنة كهنة الحسابات، والبدء الفوري في الوصول لصياغات تشريعية حديثة لتنظيم التخطيط العام الموحد للدولة وأيضا دليل مالى جديد لتنظيم الموازنة العامة للدولة، وتبسيط النظام المحاسبي الموحد لنصل إلى قانون المالية العام الموحد.
اليوم ونحن نتعامل يقانون المالية العام الموحد، تكون الجمهورية الجديدة على موعد لتحقيق عدة نجاحات تسهم فى ضبط الإنفاق الحكومى والتخطيط الإستراتيجى بمداه الطويل والمتوسط وقصير الأجل.
أخيرا فإن القانون يمثل نقلة نوعية في الحوكمة والمحاسبة الحكومية، والتحول نحو موازنات البرامج والأداء، كما يعمل على مواكبة التغيرات المتعلقة بالصرف والتحصيل المميكن من خلال أوامر الدفع والتحصيل الالكتروني، واستخدام نظم التوقيع الإلكتروني، واعتبار الوثائق والدراسات الإلكترونية وثائق لها حجيتها القانونية، مع التأكيد على الدور الرقابي لممثل وزارة المالية على المال العام وتحقيق التكامل مع الأجهزة الرقابية الأخرى بما يسمح من تعظيم الدور الرقابى لحصر وتحديد المخالفات المالية بما يُمكن من المحاسبة والمسائلة وتحقيق الرقابة اللازمة. ويعلن بشكل رسمى انتهاء عصر كهنة المعبد.
* أكمل نجاتي، عضو مجلس الشيوخ، أمين سر لجنة الشئون المالية والاقتصادية بالمجلس، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.