إبراهيم الشهابي يكتب | سياسة بمفهوم جديد 

1

تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين هي أصدق محاولة لبناء نظام ديمقراطي متعدد الآراء ومتنوع في التوجهات، وهي استجابة طبيعية للتحديات التي واجهت النظام الحزبي والسياسي المصري منذ عودته للحياة في السبعينات من القرن الماضي .. وهى الاتجاه الأكثر فاعلية لنظام سياسي مسؤول يستبدل النقاش بالهتاف، والرأي بالاحتجاج .

تستهدف التنسيقية بالأساس إعادة الشباب للحياة السياسية، ومقاومة عزوف الشباب عن مجالات العمل العام، وإتاحة الفرصة واسعة للشباب المنتمي للتيارات السياسية والتنظيمات الحزبية للتواجد على الساحة  السياسية وفي مواقع صنع القرار .
ثم أن تنسيقية شباب الأحزاب ليست تكراراً لتجارب سياسية سابقة، فهي ليست كالتنظيم الطليعي، ومحاولة التشبيه  بينهما هي نوع من انواع الاستنتاج المُعلب ونظرة سريعة سطحية أو نوع من الدعاية المضادة .

الفارق بين التجربتين يمكن إجماله في نقطتين.. الأولى ان التنسيقية تضم كل ألوان الطيف السياسي المصري .. تمارس الاختلاف الموضوعي وتضم كل التيارات السياسية .. في حين كان التنظيم الطليعي هو جناح تابع للاتحاد الاشتراكي وله صبغة سياسية موحدة .

والثانية هو أن التنسيقية لم تقدم هيكل تنظيمي على مستوى الجمهورية، مثلما كان الأمر في التنظيم الطليعي، في تجربة التنسيقية حريصة على تنمية التنظيمات الحزبية القائمة، ولم تطرح نفسها في أي وقت كبديل عن الأحزاب فالهدف هو تفعيل التعددية الحزبية وليس العكس .

والناظر بحيادية لمسيرة التنسيقية سيكتشف ببساطة أنها حرصت على التنوع والاختلاف، ظهر ذلك بوضوح في التعديلات الدستورية في ٢٠١٩، إذ لم تعلن التنسيقية موقفا موحدا بنعم او لا، وانما اعلنت عن دعوة المصريين الى الاستفتاء على الدستور  باعتباره استحقاق ديمقراطي وكان أعضاؤها حريصين في المؤتمرات والإعلام على الإدلاء بآرائهم سواء المعارضة أو المؤيدة .
وكذلك فإن أداء نواب التنسيقية في البرلمان يتسم بالتنوع والاختلاف  خاصة في القضايا ذات الطابع السياسي قبل المتخصص، وقد التزم أعضاء التنسيقية في البرلمان بمرجعية احزابهم في الرد على بيان الحكومة وكذلك في مناقشة الحساب الختامي والموازنة العامة للدولة .وغيرها الكثير من القوانين التى يتحرك فيها ممثلو التيارات السياسية من نواب البرلمان باستقلالية ودون التقيد بموقف موحد.

من ناحية أخرى فإن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين قد خاضت الرهان في إعادة السياسيين الى مناصب القيادة التنفيذية في الدولة، وهي نقلة نوعية استثنائية، اذ ان معني هذا ان السياسيين باتت لديهم فرص أكبر في التواجد الفعال في جهاز الدولة، بعد ان كانت لسنوات طويلة هذه المناصب حكرا على التكنوقراط في كافة المجالات .

والشاهد بانصاف سيكتشف ان التنسيقية إعادة الشباب مرة أخرى إلى الأحزاب، إذ باتت السياسية والأحزاب عنصرا جاذبا للشباب المشتغل بالعمل العام.

من جهة أخرى فإن المتابع الجيد للتنسيقية سيكتشف أن استراتيجية التنسيقية الجديدة تضمنت نقلة نوعية جديدة اذ تضمنت تحويل اللجان النوعية الى منتديات سياسية بهدف تعزيز حالة الحوار، وهي دلالة على استقرار نمط الحوار الهادئ بحيث باتت هناك فرصة للتوسع في حالة الحوار الذي يشمل كافة الملفات ومن وجه نظر التيارات السياسية المختلفة .

إن الدرس في ظني الذى اتخذته الدولة على عاتقها بعد ثورتي ٢٥ يناير ويونيو، هو ان انسداد الافق السياسي لسنوات ما قبل ٢٠١١ وحتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ قد أدى إلى ضعف هيكلي في هيكل الحالة الحزبية والسياسية .. وقد سيطرت على الممارسة السياسية أنماط الاحتجاج السياسي ورفض الحوار والمتاجرة بالمواقف .

إن تنسيقية شباب الاحزاب والسياسيين أنهت بين الجيل الجديد من السياسيين حالة الاستقطاب السياسي الحاد بين التيارات السياسية، وقد أكدت الوثيقة التأسيسية للتنسيقية على نبذ التطرف الفكري والايديولوجي، وكذلك حماية الاختلاف والتنوع، وذلك عدم السماح بتوجيه الاتهامات او التجريح السياسي أيا كان صاحبها .

إن الأدبيات السياسية التي ترسخها التنسيقية تؤكد الاحترام الشديد لكل صاحب رأي، واختفت ألقاب الاتهام والتحريض السياسي، التي أدمنتها لسنوات طويلة القوي والتيارات السياسية المختلفة .

إن تنسيقية شباب الأحزاب هي حالة جيل من السياسيين رأى للحظة مصر الدولة والمجتمع في مواجهة الفوضى والإرهاب، وهي فرصة متاحة دوما لكل أصحاب الرأي الحقيقي الفاعل و الفاهم .

لا شك أن التنسيقية ستجد العداء من انصار النظرة القديمة والمرتبطة مصالحهم بحالة الاحتجاج والتطرف السياسي الذي سادت مصر منذ وقت الحرب الباردة وحتى ٢٠١٣، خاصة وأنها قدمت نموذجا للتعايش السياسي والتنوع الايديولوجي .

ان سياسة بمفهوم جديد، وهو شعار التنسيقية تعني استعادة مفاهيم الاختلاف البناء، ووضع الرأي السياسي تحت سقف العلم والتخصص وليس الشعارات المجتزأة او الصرخات السياسية التي حبست السياسة والسياسيين داخل مسلمات فكرية لعقود طويلة .. فقد كانت مدارس السياسة القديمة حريصة كل الحرص على حالة النزاع السياسي .. فقد كان من المستحيل أن يتشارك الليبرالي واليساري والقومي أو حتى السلفي في حالة حوار .. بل كان من الصعب ان تجتمع مجموعتين من نفس التيار السياسي الواحد.
إن الجيل الجديد من السياسيين في مصر وعبر تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين رأي تحولات ضخمة وسقطت أمامه مسلمات السياسيين القديمة، تلك المسلمات التى لم تكتفي فقط بحبس الشباب داخل التنظيمات الحزبية وانما ذلك التطرف الذي صنع جدران الفرقة وحول السياسة الى جزء من أزمات هذا الوطن .

في ظني ان القيادة السياسية أدركت برؤية استراتيجية ان انسداد الافق السياسي لن يبني أحزابا ولن يبني نظاما حزبيا حقيقي يستطيع حمل أعباء ١٠٠ مليون مصري .. واعتقد ان تجربة البناء السياسي المصري ستواجه دوما خصوم طبيعين في مقدمتهم حراس المعبد القديم في التيارات السياسية وكذلك المتطرفين الذين لا يقبلون الاختلاف وقبل كل ذلك من ارتبطت مصالحهم بحالة الفوضى، أعداء فكرة الدولة الحديثة والعصرية والتي تحقق المواطنة وتعزز التنوع وتحمي الاختلاف وتحقق العدالة.

تعليق 1
  1. حسام فودة يقول

    استقرار سياسي و كان مهم جدا إن يتشكل هذا الاستقرار خصوصا إن التشتت السياسي كان بلغ ذروته و هنا ولدت التنسيقية كيان بسياسة بمفهوم جديد اثبتت إن في الاختلاف و التنوع نجد الافضل و أنه ليس بالصراع و لكن بالمنطق تنجح الفكرة.. تحية لحضرتك و لك القائمين علي التنسيقية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.