إبراهيم الشهابي يكتب | لماذا نزع السلاح النووي الإسرائيلي الأن ؟

0

عندما اطلقت إسرائيل مشروعها النووي، قال بن جوريون “علينا أن نكون مستعدين لإنتاج الأسلحة الأكثر فتكاً … لنمتلك قدرة تدميرية لردع كل تهديد”، ومن هنا أسست إسرائيل نظرية أمنها القائمة على القدرة على تفجير كل العرب نووياً أو التلويح لهم كنوع من أنواع الردع للبقاء.
لماذا يصبح الحديث عن نزع السلاح النووي الإسرائيلي موضوعياً وجاداً الأن، لعدة معطيات استراتيجية حادثة، أهمها أن هناك انقلاباً ديموجرافي ضخم في اوزان الكتل النسبية في إسرائيل، أهم خصائص هذا التغير، هو ان اليمين الديني المتطرف ليس حالة مؤقته في الحكومة الإسرائيلية، وإنما يعزز حضوره المستقبلي ليسيطر على النظام السياسي الإسرائيلي.
مؤشرات التحولات الديموغرافية تؤكد تزايد نفوذ اليهود المتدينون (الحريديم) كمحور للتغيير الهيكلي، إذ يبلغ معدل نمو سكان الحريديم حوالي 4% سنويًا، وهو ضعف معدل النمو لبقية اليهود، كما أن تركيبتهم الشابة (حوالي 60% تحت سن 20 عامًا) تمنحهم ميزة ديموغرافية طويلة الأمد، وعلى المدى البعيد (حتى 2050)، يتوقع أن تتضاعف نسبتهم إلى حوالي 30% من سكان إسرائيل اليهود، ما سيغير طبيعة المجتمع الإسرائيلي برمته.
في المرتبه الثانية يأتي اليهود الشرقيون (المزراحيم) وهم في صعود سياسي-اجتماعي، ونسبة عالية من اليهود المزراحيم تدعم أحزاب اليمين والشعور القومي، وهذا يعزز من نفوذ اليمين الشعبوي ويُضعف التيارات اليسارية التي مثلها الأشكناز تقليديًا.
الانعكاسات السياسية الداخلية ستكون عميقه، وسينتج عنها ثلاث معطيات رئيسية
أولاً .. صعود اليمين الشعبوي والديني
يتحالف الحريديم والمستوطنون لتشكيل قاعدة صلبة لحكومة يمينية متطرفة (مثل حكومة نتنياهو الأخيرة التي تشمل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش).
ثانياً .. تآكل التيار اليساري التحول السكاني لصالح الفئات الدينية والشرقية أفقد أحزاب اليسار (مثل حزب العمل وميرتس) قاعدتها الشعبية التاريخية.
ثالثاً .. تراجع نفوذ المثقفين والنخب الأشكنازية (الذين كانوا يهيمنون على الجيش، القضاء، الاقتصاد)، مقابل صعود نخب جديدة دينية ويمينية.
وليس أدل على الصراع الداخلي الجاري، من تلك المعركة الجارية الأن على موقع رئيس جهاز الشاباك الجارية، والمقصود هنا بشخص وتوجه الرجل الذى رشحه نيتانياهو لتولي رئاسته .
الخلاصة الاستراتيجية هنا، هو اننا أمام تيار يمين ديني صاعد ومستمر يتصدره مجموعة من المجانين سياسياً، وهو تيار يمارس الإبادة في غزة بكل برود سياسي وانساني وايمان بقداسة القتل والتنكيل والتهجير تحقيقاً لوعد التوراة والتلمود، وهذا التيار قتل خلال الحرب الأخيرة 50 الف طفل وامرأة على الأقل في غزة، والسؤال هنا ماذا سيفعل هؤلاء المجانين بترسانة نووية تقدر ب 200 رأس نووي؟ .
وزير التراث الصهيوني المتطرف هدد باستخدام السلاح النووي في قطاع غزة، وبالرغم من عدم جدية قوله، خاصةً وأن استخدام النووي في غزة سيؤثر على إسرائيل نووياً، فإنه من غير المستبعد أن يتم يرى هؤلاء المتطرفون استخدامه ضد الكتل السكنية التي تمثل عائقاًُ لسيطرتهم الفعلية على أرض الميعاد من النيل الى الفرات .
خلاصة القول هنا، إن العقل الإسرائيلي دخل مرحلة انعدام الاتزان الاستراتيجي مما سيجعل تقديراته وحسابه غير موثوقة منطقياً أو عقلانياً، وبالرغم من أن مشروع إسرائيل من الأساس متطرف ومنبثق عن اساطير، وأن وجهيه العلماني والديني يقع ضمن نطاق الحالة الاستعمارية، فإن عقيدة الدولة المتطرفة التوسعية ستجعل من السلاح النووي وسيلة لتحقيق الهدف وليس الردع.
أن الحقائق الجيوسياسية والاستراتيجية تؤكد أن إسرائيل بلد صغير الحجم وليس لديه القدرة على استيعاب وهضم حتى أرض فلسطين كلها، لكن المشكلة أنه بلد صغير يمتلك ترسانه نووية ومخازن ذخيرة أمريكية، وهو بلد صغير تمت نشأته بشكل غير طبيعي، ويراد ان يعيش في نفوذ أكبر من طاقاته وامكانياته، والمشكلة الكبرى ان وسيلة بقاءه الوحيدة كانت السلاح النووي، والمتوقع من الأن وغداً في ظل سيطرة المجانيين على السلطة ان يحوله من حالة ردع الى أداة لتوسيع النفوذ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.