إبراهيم مدين يكتب | الذكاء الاصطناعي يغير قواعد التسويق السياسي

0

في عالم السياسة المتسارع، لم تعد الحملات الانتخابية تعتمد فقط على الخطابات الرنانة والشعارات الجذابة. فقد دخل الذكاء الاصطناعي ليغير قواعد اللعبة تمامًا، ويضع الحملات السياسية على مسار جديد قائم على الدقة والتخصيص العميق لاحتياجات الجمهور. في الوقت الذي كانت فيه الكلمات وحدها السلاح الأبرز، أصبح التحليل الدقيق للبيانات هو مفتاح الوصول إلى عقول وقلوب الناخبين.

خلف الكواليس، هناك لاعب غير مرئي يدير المشهد بصمت، يحلل كل كلمة، كل نبضة فكرية. هذا اللاعب هو الذكاء الاصطناعي. إنه العقل الذي يستطيع أن يتنبأ بما تحتاجه قبل أن تعرفه أنت نفسك. هذه الأداة التي تُسخر قوة البيانات الضخمة (Big Data) لتغيير مسار الحملات الانتخابية، وجعل المرشح يتحدث مباشرة إلى ما يدور في ذهنك، وكأنه يقرأ أفكارك.

في الماضي، كانت الحملات تعتمد على استطلاعات الرأي التقليدية، تلك التي تكشف عن جزء صغير من الحقيقة. لكن مع الذكاء الاصطناعي، أصبح بالإمكان تحليل مليارات النقاط من البيانات في وقت قياسي. يمكن أن يخبرك النظام الآلي بما يفكر فيه الناس، ما هي مخاوفهم، وما القضايا التي تثير اهتمامهم في كل لحظة.

في عام 2020، في أثناء الانتخابات الأمريكية، استُخدم الذكاء الاصطناعي بكثافة. الحملة الانتخابية للرئيس السابق دونالد ترامب كانت مثالًا على كيفية استخدام البيانات الدقيقة لاستهداف الناخبين عبر منصات التواصل الاجتماعي برسائل مصممة خصيصًا لكل فئة. على الجانب الآخر، استخدم فريق جو بايدن التحليلات الذكية لتحديد مناطق ضعف ترامب وتقديم رسائل مضادة قوية.

لم يعد الذكاء الاصطناعي أداة لتحليل البيانات، بل تطور ليصبح عرافًا سياسيًا. باستخدام خوارزميات معقدة، يمكنه التنبؤ بنتائج الانتخابات قبل حدوثها، من خلال تحليل السلوكيات الفردية والجماعية. هذا النوع من التنبؤات ليس مجرد تخمين، بل يعتمد على بيانات سابقة، دراسة الاتجاهات النفسية، والديموغرافية.

يُمكن الذكاء الاصطناعي الحملات الانتخابية من تعديل استراتيجياتها بسرعة فائقة بناءً على التغيرات الفورية في الرأي العام.

ولكن رغم الفوائد، لا تزال هناك تحديات أخلاقية وقانونية تثير القلق. فقد حذر عالم الذكاء الاصطناعي “مايكل سميث”، في تصريح شهير، قائلاً: “إن الذكاء الاصطناعي قد يصبح السلاح الأكثر خطورة في الانتخابات، إذا لم يتم تنظيم استخدامه. ففي عالم مليء بالبيانات، يصبح التلاعب بالرأي العام أمرًا سهلاً، وهذا يهدد أسس الديمقراطية ذاتها”.

تُظهر هذه التصريحات حجم التحديات التي تواجه الأنظمة الديمقراطية في عصر الرقمنة. الخصوصية وحماية البيانات أصبحت من أكبر القضايا، خاصة مع اعتماد الحملات على جمع معلومات شخصية دقيقة عن الناخبين.

ولكن رغم كل هذا التطور، يبقى السؤال: هل يمكن أن يلغي الذكاء الاصطناعي دور الإنسان؟ الإجابة ببساطة: لا. بل سيُعيد تشكيل دوره. من يتقن استخدام الذكاء الاصطناعي سيبقى في المقدمة، أما من يعارضه أو يقلل من شأنه، فسيخسر كثيرًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.