إسراء حسن تكتب | استراتيجية التعليم الحكومي
التعليم يؤثر بقوة سلبا او ايجابا في الاقتصاد والاتتاج واسواق العمل والمنافسة الخارجية وفي التنمية البشرية والمجتمعية والثقافية وفي كل مناحي الحياة جميعا وبلا استثناء ….. تعليم جيد يعني نوعية حياة جيدة والعكس صحيح..فسوء التعليم وتدهور مستواه يعني خسارة قومية شاملة بلا حدود.
أرى دعوات متواترة تطالب بحل مشكلات التعليم الراهنة بثورة اصلاحية شاملة تعيده الى سابق عهده كتعليم وطني له دور وهدف ورسالة للنهوض بهذا البلد وتمكينه من اللحاق بركب التقدم في العالم… يبدو لي ان هذا الحل ما عاد ممكنا بعد ان اصابه كل هذا التخريب وانتقل الدور الاول فيه من يد الدولة الى اصحاب المصالح او المنتفعين الذين يروجون للتعليم الخاص على أنه راقي ومتميز عكس الحكومي الفاشل والمتخلف الذي لا يضمن مستقبلا أو يلبي احتياجات سوق العمل… وان مآ يهمهم افشال الجهود الاصلاحية المنشودة حتى تبقى اوضاع التعليم الحكومي على حالها او تزيد تدهورا فوق ما هي عليه ليصب في مصلحتهم… يؤسفني ان تؤخذ هذه النظرة على التعليم الحكومي الذي أنجب علماء في كل المجالات، لكن وسط هذه الفوضى الهائلة لا أعلم من اين يمكن ان تاتي بداية الاصلاح الحقيقي الشامل لنصبح امام تعليم نفخر به ولا نخجل منه، قد يستطيع غيري من ذوي الخبرة من خلال الحوار ان يضعوا ايديهم على الحل.
هناك سؤال محوري يدور في المخيلة، هل رسم سياسات التعليم والتخطيط لاستراتيجيات تطويره والنهوض به مسئولية دولة ام مسئولية وزير؟
هناك فارق شاسع بين الامرين ، فاستراتيجية قومية للتعليم تتحمل الدولة المسئولية الاساسية عنها ، لا بد وان تكون اكثر اتساعا في آفاقها ومحاورها واهدافها وفي الاسس التي تبني عليها حساباتها وقراراتها وفي تقديرها لاولوياتها ومراحلها وتكاليفها واعبائها ونواتجها وللصعوبات والتحديات التي يحتمل ان تواجهها في مرحلة التنفيذ ، من تلك التي تنبثق من فكر ورؤية وخبرات وزير ، والتي تظل برغم كل شيئ اضيق نطاقا بكثير في آفاقها وحساباتها وفي مستوى امكاناتها من تلك التي يمكن ان تتيحها الدولة لمثل هذه السياسات التعليمية التي يتوقف على نجاحها او فشلها الكثير.
لو ان هذه المسئولية تناط الى مجلس قومي، يضم افضل الخبرات المتاحة في مجال التعليم من اساتذة وخبراء متخصصين وممارسين ممن عايشوا مشكلات التعليم عن قرب ويعرفون دروبه ومشكلاته ، بالإضافة إلى ممثلي المجتمع المدني في حدود معينة، ويكون وزير التعليم عضوا فيه بصفته ، وتبقي خططه واقتراحاته َوتوصياته هي الاصل والاساس بعد عرضها على مجلس الوزراء واقراره لها واعتماد الموازنات اللازمة لتنفيذها ، ويكون دور وزير التعليم والاجهزة المعاونة له هو التنفيذ والمتابعة والتقييم اللاحق وتقديم التقارير الى المجلس القومي لاحاطته علما بحقيقة ما يدور على ارض الواقع لاتخاذ ما يلزم بشانه…وفي هذا ربط او بالأحرى تكامل عضوي قوي ومستمر بين ادوار الاجهزة الاستشارية والاجهزة التنفيذية في الدولة في احد اهم واخطر مجالات حياتنا وهو التعليم. وهو ما نفتقر اليه حاليا..
ان تركيز مسئولية التعليم على مجلس قومي يتشكل بقرار من رئيس الجمهورية مع ازالة كل العراقيل من طريقه لتمكينه من الاضطلاع بدوره بالدرجة القصوى من الفاعلية ، هو ضمان ضروري للاستقرار والاستمرار وتواصل السياسات والبناء على ما يتحقق من نتائج بصرف النظر عن شخص وزير التعليم المكلف بهذه المهمة في هذه الحكومة او تلك فالحكومات تتغير لكن سياسات التعليم يجب ان تتطور بحسب مقتضيات الظروف ، ولا يهم بعد ذلك ان يتغير وزراء التعليم من وقت لآخر فهدا امر طبيعي ، طالما ان سياسات التعليم واستراتيجيات تطويره تبقى في كل الاحوال مسئولية دولة وليست من اجتهاد وزير ينتهي كل شيئ برحيله ولنبدا مع من يخلفه من نقطة الصفر من جديد…