إسلام عادل يكتب | الأخلاق.. بوصلة الجيل

0

لم يعد الحديث عن الانحدار الأخلاقي للشباب مجرد ترف فكري أو ادعاء تشاؤمي؛ بل صار حقيقة مؤلمة نراها في تفاصيل حياتنا اليومية. شباب اليوم، الذي من المفترض أن يكون أمل الأمة وسندها، أصبح – لدى البعض – صورة باهتة لقيمٍ تلاشت، ومبادئ ذهبت أدراج الرياح.
قد يظن البعض أن المشكلة في الشباب أنفسهم، لكن الحقيقة أن هذه الأزمة الأخلاقية صنيعة عوامل متشابكة اجتمعت على هذا الجيل كرياح متلاطمة. فالثورة الرقمية حولت الهاتف الذكي إلى بوابةٍ مفتوحة على عالمٍ بلا حدود، تتدفق إليه الأفكار والثقافات والقيم، يصل إليها الصالح والطالح في أقل من ثانية. في الوقت نفسه، غاب الموجهون الحقيقيون، وتراجعت القدوة الحسنة وسط تناقضات جعلت الكثير من الشباب يفقدون بوصلة التوازن. ومن جهة أخرى، سادت ثقافة الاستهلاك والسطحية، حتى أصبحت المظاهر معيارًا للنجاح، بينما تحولت قيم الجهد والالتزام إلى شعارات جوفاء لا يصدقها أحد. أما التربية الدينية السليمة، فقد غابت عن حياة البعض، فخفت في قلوبهم نور المبادئ وتراجعت الأخلاق.
وتبدو علامات هذا الانحدار واضحة في المشهد العام، من انتشار العنف اللفظي والجسدي بين الشباب في المدارس والشوارع، إلى انعدام احترام الكبير وكأن التقاليد باتت عبئًا لا معنى له. يُضاف إلى ذلك الهوس بالمظاهر والتقليعات الفارغة، وتضييع الوقت في ملاحقة كل جديد مهما كان تافهًا، مرورًا بالاستهانة بالأمانة والكذب من أجل تحقيق مصلحة شخصية، وانتهاءً بضعف الانتماء للمجتمع، وكأن الوطن لم يعد أكثر من محطة عابرة لا تستحق الولاء.
إن استمرار هذا الانحدار الأخلاقي ينذر بجيل بلا هوية، يفتقد روح الانتماء والالتزام، ويتركنا أمام شباب هشّ لا يستطيع مواجهة التحديات، فتتساقط أحلامه على أعتاب الضعف والانهزامية. وفي ظل هذا الواقع، يلوح في الأفق مجتمع مفكك، تغيب عنه روح التعاون والتكافل، وتذبل فيه القيم كما تذبل الزهور في صقيع الإهمال.
لكن الأمل لا يزال قائمًا. إنقاذ شبابنا يبدأ بإحياء التربية الأخلاقية، في البيت والمدرسة والإعلام، لأن القيم لا تُزرع إلا بالتربية المستمرة، لا بالعظات العارضة. ويجب أن نعيد للقدوة الصالحة مكانتها، فالنماذج الملهمة هي التي تهدي الشباب وتمنحهم بوصلة النجاة. التكنولوجيا، التي كانت سببًا في كثير من الفوضى، يمكن أن تتحول إلى وسيلة للتعلم والبناء إذا أحسنّا توجيهها، وإذا حررناها من سطوة التفاهات. أما الدين، فتعزيزه لا يكون بالتلقين الجاف، بل بجعله قريبًا من واقع الشباب، يشعرون من خلاله بجمال الحياة وقيمة الإنسان.
لا يكتمل هذا المشروع إلا بإشراك الشباب في قضايا مجتمعهم، ليشعروا بأنهم جزء من الحل لا مجرد عالة على المشكلة، وأنهم حين يتقدمون يُضيئون الطريق لأنفسهم وللأجيال القادمة.
علينا أن نُدرك أن الانحدار الأخلاقي للشباب ليس أزمة تخص الشباب وحدهم، بل هو ناقوس خطر يدق أبواب الأسرة والمدرسة والمجتمع بأسره. فلنكن جميعًا جزءًا من الحل، لا مجرد متفرجين على المشهد من بعيد، لأن بناء جيل أخلاقي يعني ببساطة أننا نبني مستقبلًا أكثر إشراقًا وازدهارًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.