إسلام عبد الرحيم يكتب | ٣٠ يونيو.. صحوة شعب

0

عندما تُكتب فصول التاريخ بأقلام الشعوب، تبقى بعض الأيام شاهدة على لحظات فارقة لا تُنسى، وتظل محفورة في الذاكرة الجمعية كعلامات للكرامة والوعي والقدرة على التغيير، ويأتي 30 يونيو 2013 في مقدمة هذه الأيام، باعتباره يومًا استثنائيًا قرر فيه الشعب المصري، أن يستعيد وطنه، وهويته، ومستقبله.

في هذا اليوم التاريخي، خرج الملايين في كل ميادين وشوارع مصر، بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم، رافعين علم مصر وحده، مطالبين بإنهاء حكم جماعة حاولت تفكيك الدولة، والعبث بمؤسساتها، وتكريس الانقسام الاجتماعي والسياسي، لقد كانت ثورة ضد الاستبداد، وضد تديين السياسة وتسييس الدين، وضد مشروع كان يهدد بتحويل مصر من دولة وطنية مدنية إلى كيان مأزوم تحكمه الولاءات الخارجية والأجندات الأيديولوجية.

ما ميّز ثورة 30 يونيو، أنها لم تكن مجرد حراك احتجاجي عابر، بل كانت صرخة وعي ورفض شامل لكل محاولات طمس الهوية المصرية المتجذرة عبر آلاف السنين، لقد أدرك الشعب أن الدولة في خطر، وأن الصمت لم يعد خيارًا، فخرجوا بالملايين، ليؤكدوا أن مصر لا تُحكم باسم الدين، ولا تُختطف لحساب جماعة أو تنظيم، بل هي ملك لكل أبنائها، دولة القانون والمؤسسات والمواطنة.

ورغم محاولات جماعة الإخوان الإرهابية، التقليل من أهمية الحراك الشعبي، فإن المشهد كان واضحًا، ثورة شعبية حقيقية بكل المقاييس، وما زاد من قوتها ومصداقيتها، هو انحياز الجيش المصري بقيادة الفريق أول عبدالفتاح السيسي وقتها لإرادة الجماهير، وقراره التاريخي في 3 يوليو، ووضع خارطة طريق لبناء دولة جديدة تُعلي من سيادة القانون، وتعيد للمصريين ثقتهم في دولتهم.

بدأت مصر بعد 30 يونيو مرحلة شاقة من البناء وإعادة التأسيس، لم تكن المهمة سهلة، فقد واجهت الدولة تحديات هائلة، أبرزها الإرهاب والعنف المسلح، ومحاولات تخريب الاقتصاد، وضرب الاستقرار الداخلي، لكن رغم ذلك، مضت القيادة السياسية بدعم شعبي واسع نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة، وترسيخ مفهوم الدولة الوطنية، وإطلاق مشروعات تنموية ضخمة أعادت الأمل في المستقبل.

في السنوات التي تلت 30 يونيو، شهدت مصر تحولات كبرى على جميع المستويات: السياسية، والاقتصادية، والأمنية، فتم تعديل الدستور بما يعزز مبادئ المواطنة والحريات، وأُجريت انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة، وانطلقت مشروعات بنية تحتية ومناطق صناعية، وأصبحت مصر رقما فاعلا في معادلات الإقليم والعالم.

لكن الأهم من كل هذا، أن يوم 30 يونيو، أعاد للمصريين شعورهم بالكرامة والسيادة، وأن صوتهم هو الفيصل، لم تعد السياسة حكرًا على قلة أو رهينة لفكر واحد، بل عادت مصر لكل المصريين، تحت مظلة الوطن الواحد، لقد أثبت الشعب في هذا اليوم العظيم، أن السيادة لا تُوهب، بل تُنتزع، وأن الوعي الشعبي قادر على التصدي لأي تهديد.

وفي كل عام يأتي فيه 30 يونيو، لا يُعتبر فقط ذكرى لثورة شعبية عظيمة، بل هو عيد وطني، يُجسّد معنى الانتماء واليقظة والمسئولية، هو تذكرة بأن المصريين عندما يتوحدون خلف هدف نبيل، لا تقف أمامهم قوة، ولا تُثنيهم مؤامرة.

ختامًا، تبقى ثورة 30 يونيو علامة مضيئة في تاريخ مصر الحديث، ومثالًا ملهمًا لكل الشعوب التي تنشد الحرية والعدالة والكرامة، لقد انتصر الشعب، واستعادت الدولة هيبتها، وبدأت مصر رحلة جديدة نحو المستقبل بثقة وثبات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.