إسلام علي شاهين يكتب | قمع في الداخل وتهجير في الخارج

0

تتوالى الأحداث في مختلف أنحاء العالم، لتكشف عن تناقضات صارخة في الخطاب والممارسة لدى بعض القوى الكبرى. فبينما تُرفع شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان عاليًا، تُمارس سياسات القمع والتهجير القسري، داخليًا وخارجيًا، وكأنها وجهان لعملة واحدة تستند إلى مصلحة ذاتية بحتة.
إن ما نشهده اليوم في المدن الأمريكية، وبالأخص في لوس أنجلوس، ليس مجرد تعامل أمني مع احتجاجات أو محاولة لضبط الشارع، بل هو إدارة ممنهجة للإرهاب تُمارسها السلطات تحت غطاء القانون. فالتقارير الإخبارية تُظهر بوضوح مشاهد قمعية تشمل نشر الحرس الوطني، واقتحام الأحياء، والاعتقالات العشوائية. لقد شهدت شوارع لوس أنجلوس تحولًا إلى ما يشبه “حرب شوارع”، حيث ردت الشرطة على “استخدام المتظاهرين للقنابل الحارقة” بـ”القوة المناسبة” من قنابل صوتية ورصاص مطاطي. وقد أذن الرئيس السابق دونالد ترامب باستخدام قوات الحرس الوطني لحماية موظفي إنفاذ قوانين الهجرة والمباني الفيدرالية، واصفًا الاحتجاجات بأنها “شكل من أشكال التمرد على سلطة حكومة الولايات المتحدة”، وهو ما يعكس عقلية تَعُدّ المواطن غير المرغوب فيه تهديدًا يجب قمعه، لا إنسانًا له حقوق. هذا المشهد المسلح في قلب مدينة مدنية لا يتوافق مع سياسات دولة تدعي الديمقراطية، بل يعكس عقلية احتلال داخلي تسعى إلى فرض السيطرة الكاملة على حساب الحريات الأساسية.
سياسة الكيل بمكيالين: غزة ولوس أنجلوس
المفارقة المؤلمة تكمن في أن هذه المنظومة ذاتها، التي تدير القمع داخل حدودها، هي نفسها التي تقود مشاريع التهجير القسري لشعوب أخرى بالكامل. فبينما تُهجّر الولايات المتحدة المهاجرين على أرضها، تدعم، وبلا خجل، تهجير سكان غزة وفلسطين من أرضهم. تشير الأمم المتحدة إلى قلق عميق حيال تقلص المساحة المتاحة للمدنيين في غزة، حيث يتعرضون لتهجير قسري مستمر من قبل الجيش الإسرائيلي. وقد أصدرت إسرائيل “أوامر إخلاء” واسعة النطاق، مما أدى إلى نزوح ما يقرب من 1.9 مليون فلسطيني في غزة، أي أكثر من 80% من السكان، في ما وُصف بأنه “نكبة ثانية”. كما أدت العمليات العسكرية الإسرائيلية المدمرة في الضفة الغربية إلى أكبر موجة تهجير قسري للفلسطينيين منذ عقود، حيث تم تدمير منازل وبنى تحتية في مخيمات مثل جنين وطولكرم، لتصبح غير قابلة للسكن. هذا الدعم المطلق يشرعن الاحتلال والعدوان تحت ستار “الدفاع عن النفس”، ويتجاهل تمامًا حق الشعوب في أرضها وتقرير مصيرها، ويؤسس لفكرة أن الحق يُمنح لمن يملك السلاح والدعم الخارجي.
إن طريقة تعامل أمريكا مع غزة لا تختلف جوهريًا عن تعاملها مع أحياء السود والمهاجرين في لوس أنجلوس؛ فكلاهما يُنظر إليه كمشكلة أمنية يجب محاصرتها، لا كأرواح بشرية يجب حمايتها. هذا التشابه يوضح أن المنظومة ذاتها، المبنية على الخوف والسيطرة والفصل العنصري، تطبق نفس الاستراتيجيات على نطاقين مختلفين، داخليًا وخارجيًا. وقد أكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة أن العنصرية متغلغلة في الشرطة ونظام العدالة الجنائية في أمريكا، وأن الأشخاص من ذوي البشرة السوداء أكثر عرضة للقتل على يد الشرطة والسجن، مما يؤكد وجود تمييز عنصري منهجي.
تناقض المواقف: جيوش تحمي وأخرى تقمع
الغريب، بل الفجّ، هو أن نفس الكيان السياسي الذي يقمع شعبه بهذه الوحشية، يلقي خطبًا رنانة للعالم عن “الديمقراطية” و”حقوق الإنسان” و”الحرية”. وفي المقابل، يهاجم كل دولة عربية تحاول الحفاظ على أمنها أو مكافحة الإرهاب، ويتهمنا بالتخلف والاستبداد.
دعونا نقارن بين موقفين: في العديد من الدول العربية، نزلت الجيوش إلى الشوارع في أوقات الأزمات والثورات والانفلات الأمني بهدف ضبط الأمن وحماية المدنيين، ولم تطلق رصاصة واحدة على المتظاهرين العزل. كان الدور الأساسي لهذه الجيوش هو حفظ النظام ومنع الفوضى، ملتزمة بأقصى درجات ضبط النفس. على النقيض من ذلك، نرى جيش دولة تدعي السيادة الديمقراطية تستخدم قوتها العسكرية الفائقة لقمع المواطنين غير المرغوب فيهم، وتلجأ إلى شتى أنواع الأسلحة في مواجهة احتجاجات سلمية، وتنتهك كل معايير حقوق الإنسان وسط صمت عالمي وتعتيم إعلامي لما قد يتحول إلى حرب أهلية في أي وقت.
إن هذه الازدواجية في المعايير تضع على عاتقنا مسؤولية أكبر في كشف الحقائق والدفاع عن العدالة، في وجه سياسات الكيل بمكيالين التي تُهدد أمن وسلامة الشعوب. فهل يمكن للعالم أن يقبل بهذا التناقض الصارخ بين الخطاب والممارسة؟

مصادر من مقالات قرائتها قبل صياغه المقال:

مصادر ومقالات إضافية:
* احتجاجات لوس أنجلوس: احتجاجات لوس أنجلوس.. الشرطة تسارع لإخلاء المتظاهرين وسط تواصل الاشتباكات – CNN Arabic
* “الحرس الوطني” في لوس أنجلوس: “الحرس الوطني” في لوس أنجلوس.. ترمب إلى معركة سياسية جديدة – الشرق للأخبار
* التهجير القسري لسكان قطاع غزة: التهجير القسري لسكان قطاع غزة
* غزة: قلق عميق حول التهجير القسري للفلسطينيين: غزة: قلق عميق حول التهجير القسري للفلسطينيين | OHCHR
* عملية إسرائيل العسكرية المدمرة في الضفة الغربية: عملية إسرائيل العسكرية المدمرة في الضفة الغربية تؤجج التهجير القسري الجماعي للفلسطينيين – منظمة العفو الدولية
* تقرير جديد: العنصرية متغلغلة في الشرطة ونظام العدالة الجنائية في أمريكا: تقرير جديد: العنصرية متغلغلة في الشرطة ونظام العدالة الجنائية في أمريكا | أخبار الأمم المتحدة
* حقوق الإنسان ومعايير الغرب المزدوجة: حقوق الإنسان ومعايير الغرب المزدوجة – مجلة السياسة الدولية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.