إيمان الشعراوي تكتب | أجندة 2063 .. أفريقيا التي نريد

0

تمثل أجندة أفريقيا 2063 رؤية أفريقية خالصة وخطة عمل، وضعتها الدول الافريقية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، فخلال احتفال الاتحاد الأفريقي بالذكري 50 لتأسيسه، أطلق في عام 2013 رؤية جديدة للقارة الأفريقية تحت عنوان: “أجندة 2063″، وقد حددت لنفسها هدفًا وهو “أفريقيا التي نريد” حيث كانت بمثابة دعوة للعمل في جميع المجتمعات الأفريقية، لبناء قارة مزدهرة ومتحدة، تقوم على مستقبل مشترك.
بينما تدور تطلعات الأجندة وأهدافها من وجود أفريقيا مزدهرة، تستند إلى النمو الشامل والتنمية المستدامة، وأن تكون القارة متكاملة ومتحدة سياسيًا، وتستند على مبادئ عموم أفريقيا من دعم الحكم الرشيد والديمقراطية في أفريقيا، واحترام حقوق الإنسان، والعدالة وحكم القانون ووجود أفريقيا آمنة تتمتع بالسلام والاستقرار، لديها هوية ثقافية مشتركة وقوية، وقيادة المواطنين للتنمية خاصة من خلال المرأة والشباب، وأن تكون لاعب وشريك عالمي مؤثر وقوي.
إلا أن هذه التطلعات علي الرغم من تحقيق عدد من الدول الأفريقية تقدم ملموس فيها خاصة ما يتعلق بالتمكين السياسي للمرأة (مصر- رواندا- تنزانيا) وإشراك الشباب في الحياة السياسية، وما تم التوصل إليه من اتفاقية للتجارة الحرة القارية، التي تُعتبر اتفاقية طموحة نتطلع لدخولها حيز النفاذ لفتح الطريق أمام التجارة البينية الأفريقية وجعل القارة أكثر كفاءة في الاعتماد علي مواردها والاكتفاء بها.
إلا أنه بعد مرور ما يقرب من تسع سنوات والاقتراب من الانتهاء من الخطة العشرية الأولي للأجندة، ما زال هناك الكثير الذي تتطلع إليه الشعوب الأفريقية، خاصة أن حجم ما تحقق لا يكفي، بل أن هناك بعض الدول زاد الوضع فيها سوءً ولم تحقق شيء من الأجندة، في ظل تخوفات من أن يواجه جدول أعمال 2063 نفس النكسات، التي حالت دون تحقيق الخطط الأفريقية طويلة الأجل السابقة نتائج ملموسة علي أرض الواقع، وذلك مع استمرار الأزمات من الموارد المالية المحدودة، والافتقار إلي الإرادة السياسية ، والمصالح المختلفة والمتضاربة في بعض الأحيان بين الدول الأفريقية.
لذلك فأنه من غير المعقول أن يُعتبر تحقيق الأجندة، أمرًا يسيرًا وذلك لوجود العديد من التحديات التي تواجه تطبيقها، سواء ما يتعلق بالتحديات الاقتصادية والأزمة العالمية وفيروس كورونا، وما أحدثه من تداعيات سلبية علي النمو الاقتصادي، فضلًا عن محدودية التجارة البينية بين الدول الأفريقية، حيث أخفقت الدول الأفريقية في رفع معدل التجارة البينية بشكل كبير، والذي كان في عام 2013 12% وأصبح الآن ما يقرب من 14.5% وهي زيادة منخفضة، خاصة أن الأجندة كانت تطمح في أن يزداد حجم التجارة البينية بين الدول الأفريقية في عام 2045 إلي 50%، واستمرار استغلال مواردها الطبيعية من قبل القوي الكبرى التي تستأثر بها. أو التحديات السياسية واستمرار النزاعات والحروب الأهلية والتغييرات غير الدستورية ، وارتباط الانتخابات بالعنف مما يتعارض مع دورها الاساسي كألية للتداول السلمي للسلطة، والمعوقات التي تواجه تطبيق التحول الديمقراطية وحقوق الإنسان، وانتشار الإرهاب بالشكل الذي أصبحت فيه القارة الأفريقية بؤرة للتنظيمات الإرهابية، خاصة منطقة الساحل الأفريقي ( مالي- تشاد- النيجر-بوركينا فاسو- موريتانيا) ، فضلًا عن انتشار الجريمة المنظمة من تجارة المخدرات والتدفقات المالية غير الشرعية وانتشار القرصنة البحرية وزيادة الأمراض والأوبئة. أو التحديات البيئية الخطيرة وعلى رأسها التغير المناخي، وما أسفر عنه من تداعيات على كل المستويات وتحذيرات الأمم المتحدة، بأن أكثر من 100 مليون شخص يعانون من الفقر المدقع، مهددون بفعل تسارع ظاهرة الاحترار المناخي في أفريقيا، بل أنه من المتوقع بحلول عام 2025، أن يواجه ما يقرب من 230 مليون أفريقي ندرة المياه، خاصة أن معظم دول أفريقيا جنوب الصحراء تعتمد على الزراعة التي تعد مصدرًا رئيسيًا للدخل لنحو نصف مواطني القارة.
على الرغم من التقدم المحرز في بعض أهداف وتطلعات الأجندة، إلا أنه وفقًا لمعدلات الأداء الحالية، لن تتمكن القارة من اللحاق بالركب وتلبية التوقعات المتزايدة لمواطنيها، وفق الجدول الزمني المحدد في عام 2063، حيث سيكون هناك نمو مطرد في عدد قليل من الدول التي تتمتع بتحسن مستواها الاقتصادي، مع استمرار ضعف الأداء الاقتصادي والسياسي والتنموي في معظم الدول الأفريقية الأخرى.
لذلك يتطلب نجاح الأجندة في تحقيق أهدافها سردًا لدروس الماضي لتكون هناك قدرة علي تكوين صورة واضحة للمستقبل الذي تتجه إفريقيا نحوه، وذلك لأن نجاح جدول الأعمال يستلزم دعم الشعوب الأفريقية لتنفيذها، ومواجهة التبعية للخارج، وتفعيل مبدأ الاعتماد علي الذات والتمويل الأفريقي لتنميتها ، والدور المهم للمجموعات الاقتصادية الإقليمية باعتبارها اللبنات الأساسية للوحدة القارية ، فضلًا عن الابتكار كقوة رئيسية للنمو الاقتصادي والتنمية بدلًا من الاستمرارية في استراتيجيات التنمية في إفريقيا، التي فشلت في تحقيق التقدم والتي لا تخطو من كونها نسخ للمبادرات السابقة، والابتكارات السياسية والمؤسسية من البحث عن نموذج سياسي أو تعديل نظام الانتخابات بما يتوافق مع طبيعة الشعوب الأفريقية الإثنية والقبلية، ويحقق ما فشلت الديمقراطية في تنفيذه في القارة الأفريقية منذ التسعينيات من القرن الماضي.
ختامًا.. يمثل تحقيق أجندة أفريقيا 2063 تحديًا حقيقيًا، خاصة في الدول الأفريقية المضطربة التي تواجه العديد من العقبات السياسية والاقتصادية، وبالتالي، ما لم يتم اتخاذ تدابير مناسبة للتغلب على هذه التحديات، يمكن إضافة أجندة 2063 إلى العديد من وثائق التخطيط والتنمية الأخرى التي لم يتم تنفيذها والتي لا تعدو إلا أن تكون مجرد شعارات لا يتم تطبيقها علي أرض الواقع.

* إيمان الشعراوي، باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.