إيمان ممتاز تكتب | التشريع والمشاكل النفسية للنشء

0

الصحة النفسية للطفل لم تعد رفاهية، بل أساس بقائه سويًّا وسليمًا داخل المجتمع. لكن الواقع يُظهر أن أبناءنا يواجهون مشاكل نفسية، بينما يظل التشريع غائبًا، أو على الأقل غير مفعّل لحمايتهم. التنمر المدرسي، مثلًا، يُعد من أبرز تلك المشاكل، إذ إن 60% من الأطفال في المدارس المصرية تعرضوا لشكل من أشكال التنمر، حسب دراسة لليونيسف عام 2022. وقد يُصاب الطفل بالاكتئاب، الرهاب المدرسي، أو يتجه للسلوك العدواني المضاد. ويقترح تفعيل قانون حماية الطفل (12 لسنة 1996 وتعديلاته) بما يفرض وجود أخصائي نفسي في كل مدرسة، وفرض عقوبات إدارية على الإدارات التي تتجاهل وقائع التنمر، مع إلزام المدارس ببرامج “التربية النفسية الوقائية”.
من جهة أخرى، يظهر العنف النفسي داخل الأسرة كأحد أخطر الأوجه الخفية للإيذاء، إذ تشير الدراسات إلى أن العنف اللفظي من الوالدين أكثر تدميرًا من العقاب البدني في بعض الحالات، ويشمل الإهانة، المقارنة، السخرية، التهديد، والتخويف. ويُقترح إدراج “العنف النفسي الأسري” ضمن قانون حماية الطفل كنوع مستقل من الإيذاء، مع إلزام الوحدات الصحية بتقديم جلسات مجانية للتربية الإيجابية للأهل، وإطلاق خط ساخن موثوق للتبليغ عن حالات الإيذاء النفسي، حتى في غياب عنف جسدي.
كما أن تجاهل الدعم النفسي بعد الصدمات يُعد خطأ شائعًا ومؤذيًا، فوفاة أحد الأبوين، أو الطلاق، أو الحوادث، أو التحرش، كلها صدمات نفسية عميقة، وغالبًا ما لا يتلقى الأطفال دعمًا نفسيًا بعدها، مما يترك أثرًا طويل الأمد في شخصيتهم وسلوكهم. ويقترح إصدار قانون يلزم بتقديم جلسات دعم نفسي مجانية للأطفال ضحايا الصدمات، من خلال التأمين الصحي الشامل، ووحدات الرعاية الصحية الأولية، مع اعتماد بروتوكول تدخل نفسي مبكر داخل المدارس.
من بين التحديات أيضًا، إدمان الشاشات ومواقع التواصل، حيث يتجاوز متوسط استخدام الأطفال للهواتف 6 ساعات يوميًا، ما يؤدي إلى العزلة، وفرط الحركة، والتشتت، واضطرابات النوم. ويُقترح تعديل قانون حماية الطفل ليشمل سن رقابة إلكترونية أبوية إلزامية عبر شركات المحمول والإنترنت، وإدخال مادة توعية رقمية داخل المناهج منذ الصف الرابع الابتدائي، ودعم المبادرات التي تقدم أنشطة بديلة للأطفال بعد المدرسة.
أما غياب التشخيص المبكر لاضطرابات النمو والسلوك، فهو سبب رئيسي في تأخر علاج حالات يمكن السيطرة عليها، مثل تأخر النطق، التوحد، وفرط الحركة. كثير من هذه الحالات لا تُشخّص إلا في سن متأخر، بينما يمكن رصدها وعلاجها مبكرًا. ويقترح إلزام الوحدات الصحية بإجراء فحوصات نفسية نمائية عند كل تطعيم (سن سنتين، 4 سنوات، 6 سنوات)، ودمج الأطباء والأخصائيين النفسيين ومتخصصي التربية الخاصة ضمن فرق الرعاية الأولية، مع تقديم حوافز للأهل الذين يلتزمون ببرامج تعديل السلوك للأطفال.
إن ما يعيشه النشء اليوم ليس مجرد تحديات نفسية فقط، بل هو انعكاس لغياب تشريعات تحمي براءتهم وإنسانيتهم. الاستثمار الحقيقي في بناء الإنسان يبدأ من الداخل. وأول خطوة: أن نعترف أن الطفل له “حق نفسي” تمامًا كما له حق في الصحة البدنية والطعام والتعليم.
أدعو البرلمان القادم إلى النظر للصحة النفسية للطفل كملف وطني عاجل، قبل أن ننتج جيلًا يصارع تحدياته النفسية داخليًا، بينما نظنه بخير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.