الحسن علي خليفة يكتب | عام دراسي جديد

0

مع بداية كل عام دراسي جديد، يتجدد النقاش حول التعليم وأدواره في تشكيل مستقبل الأفراد والمجتمعات. لكن هناك جانب غالبًا ما يُهمَل وسط الأرقام والخطط والمناهج، وهو البعد النفسي. فهل يمكن أن يكون العام الدراسي سعيدًا فعلًا؟ وكيف نضمن أن تكون المدرسة مكانًا للنمو والبهجة، لا مجرد سباق طويل نحو الامتحانات؟
من منظور علم النفس التربوي، السعادة ليست رفاهية زائدة، بل هي شرط أساسي للتعلم الفعّال. الطالب الذي يشعر بالطمأنينة والقبول أكثر قدرة على التركيز، وأكثر استعدادًا للتجربة والخطأ، وأكثر إبداعًا في البحث عن حلول جديدة. على العكس، فإن القلق المستمر أو الخوف من الفشل يغلقان أبواب التفكير، ويجعلان العملية التعليمية مجرد تكرار آلي لا روح فيه.
ولذلك، فإن صناعة “عام دراسي سعيد” تبدأ من التفاصيل الصغيرة. كلمة مشجعة من معلم، ابتسامة من زميل، أو لمسة دعم من أحد الوالدين. هذه اللحظات البسيطة قد تصنع فارقًا أكبر بكثير من حصة دراسية مليئة بالمعلومات. فالذاكرة العاطفية للطلاب غالبًا ما تكون أقوى من الذاكرة المعرفية، وما يتعلمونه وهم سعداء يبقى أثره أطول.
الأسرة هنا تلعب دورًا محوريًا. فبدلًا من أن تقتصر علاقتها بالدراسة على متابعة الدرجات والامتحانات، يمكن أن تصبح شريكًا في رحلة التعلم. تشجيع الأبناء على طرح الأسئلة، ومنحهم مساحة للتعبير عن اهتماماتهم، يجعل المدرسة امتدادًا للحياة لا مجرد التزام ثقيل. كما أن الاحتفاء بالجهد المبذول، لا بالنتائج وحدها، يغرس في نفوسهم قيمة المثابرة والإصرار.
أما المعلم، فهو حجر الزاوية في بناء بيئة صفية سعيدة. فبقدرته على تحويل الخطأ إلى فرصة للتعلم، وبأسلوبه في إدارة الصف بروح الاحترام والتقدير، يمكن أن يصنع أجواءً تحفّز على المشاركة والإبداع. المعلم ليس ناقلًا للمعلومات فحسب، بل هو قائد تربوي يشكّل اتجاهات طلابه نحو التعلم، ويزرع فيهم حب المعرفة.
إننا بحاجة إلى أن نعيد النظر في مفهوم “النجاح الدراسي”. فالتفوق لا يُقاس بالدرجات وحدها، بل بالقدرة على التفكير النقدي، وبناء علاقات إيجابية، والتعامل مع الضغوط بثقة ومرونة. وهذا كله لا يتحقق إلا في بيئة تعليمية سعيدة.
وفي الختام نقول إن عام دراسي سعيد ليس شعارًا نردده في بداية العام فقط، بل هو مشروع متكامل، يقوم على شراكة حقيقية بين الأسرة، والمعلم، والطالب. فإذا جعلنا السعادة جزءًا من التعليم، فإننا لا نمنح أبناءنا فرصة أفضل للتفوق فحسب، بل نضع أساسًا لجيل أكثر توازنًا وإبداعًا، قادر على بناء مستقبل أكثر إشراقًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.