الكبير الداديسي يكتب | أما زال العالم في حاجة للشعر والشعراء؟

0

أما زال العالم في حاجة إلى شعراء؟ وماذا سيتغير في العالم لو استيقظنا غدا ولم نجد شعراء؟ وهل يفقد العالم شيئا ذا قيمة إذا لم ينظم الشعراء شعرًا؟
لن نقف هنا لنعرف الشعر فللشعر آلاف التعاريف منذ التعريف الأول الذي وصلنا عن أرسطو ونقله عنه قدامة بن جعفر في نقد الشعر (الشعر كلام موزن مقفى) والذي فضل فيه أرسطو الشاعر عن المؤرخ وحتى عن الفيلسوف لما قال (ولهذا كان الشعر أوفر حظا من الفلسفة وأسمى مقاما من التاريخ، لأن الشعر يروي الكلي، بينما التاريخ يروي الجزئي) ولأن الشعر يتجاوز الحديث عما وقع إلى الحديث عن الممكن وعما يمكن أن يقع. ولكن لا بد من الإشارة إلى مفارقات غريبة : فأمام عزوف الشباب عن الشعر يقف المتابع للشأن الشعري مشدوها لكثرة الشعراء، وتزايد طبع الدواوين الشعرية، ووفرة المهرجانات والملتقيات المهتمة بالشعر في كل الأقطار العربية وفي النوادي والجامعات (ويكفي الإشارة إلى إن هذا الركح بهذه الجامعة توالي عليه بين اليوم والأمس نشاطان كبيران حول الشعر، شارك في كل نشاط عدد من الشعراء ألقيت في كل منهما عدة قصائد حتى لكاد يكون الشعراء أكثر من الجمهور)…
فكيف يفسَّر الشعور بكثرة الشعراء مع ندرة الشعر، وما فائدة وفرة في المطبوعات مع غياب التأثير في متلقي لا يفهم معنى الشعر، وما أهمية شعراء لا يدركون وظيفة الشاعر …
إننا في زمنٍ مادي جعل المالَ “العبدَ والمعبود والمعبد” … زمنٍ صارت فيه صلة الكمبيوتر والهاتف النقال أوثق من صلة ذوي القربى … أصبحت الإنسانية يتيمة وأحوج ما تكون للشعر… “والشعر حكمة ” قد يساعد على حل المشاكل “بالكلمة الطيبة” بدل اللجوء إلى العنف والقنابل والمدافع لحلها، وقد تكون الكلمة الجميلة (وما الشعر إلا كلام جميل) بلسما، وعقارا فعالا لكثير من القلوب والعقول المريضة
صحيح، إن الشعراء ليسوا أنبياء لكن الأكيد أن تفجير الكلمات أكبر معجزة وليس عبثا أن يكون القرآن (وهو كلام جميل) أكبر أعجاز…
صحيح أيضا أن العالم لن يكون كما يتخيله الشعراء ولكن الأكيد أيضا أن العالم لا يمكن تخيله دون شعراء، فدون كلام جميل، ودون الشِّعرية لن يكون الناس سوى آلات حية فاقدة للأحاسيس والشعور(والشعر من الشعور)
إن مهمة الشاعر اليوم أضحت عسيرة لأن الشاعر صار بالإضافة إلى الأدوار التقليدية مجبراً على زرع الأمل في عالم يائس، وتحريك الأحاسيس في أجساد مات فيها القلوب، بل إنه مدعو إلى أن يرفع النقاب عن الجمال المخبوء فينا، وإعادة صياغة رؤيتنا للجمال، لأن من وُهِب موهبة تحسين الكلام وإجادة صياغة العبارة فقد وُهب مفتاح الدخول إلى العقول والقلوب، لكن أيننا اليوم من شاعر مسؤول، ملتزم يُنير ولا يستنير، يقود ولا ينقاد، يقاوم ولا يستسلم أو يهادن؟؟
يستنتج إذن أن الشعر هو الشعر لم يتغير فيه شيء، والمتغير في هذه المنظومة المادية هو نظرتنا للشعر، فلا غرو إذن إن كثر الشعراء وقل الشعر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.