بلقيس الربيعي تكتب | أدب الأطفال
الأدب هو تشكيل أو تصوير تخيلي للحياة والفكر والوجدان من مفردات لغوية ويهتم بالتعبير فنيا ووجدانيا عن العادات والآراء والقيم والآمال والمشاعر وغيرها من عناصر الثقافة، أي أنه تجسيد فني تخيلي للثقافة. ويدخل ادب الأطفال ضمن هذا التعريف لكن ادب الأطفال يتميز عن ادب الراشدين في مراعاته حاجات الطفل وقدراته وخضوعه لفلسفة الكبار في تثقيف أطفالهم، لكن مقومات ادب الأطفال وادب الراشدين تكاد تكون واحدة. لكن ليس كل عمل ادبي مقدم للكبار يصبح بمجرد تبسيطه، أدبًا للأطفال.. اذ لابد لأدب الأطفال من ان يتوافق مع ٌقدرات الأطفال ومرحلة نموهم العقلي والنفسي والاجتماعي. ومعروف ان ابسط الفنون الأدبية على القاريء أصعبها على الكاتب. وكان توفيق الحكيم ، يوم بدأ يسجل بعض الحكايات للأطفال عام 1977 ، قد اشار الى ذلك بقوله : ” إن البساطة اصعب من التعمق ، وانه لمن السهل أن اكتب واتكلم كلاما عميقا ، ولكن من الصعب أن انتقي واتخيّر الأسلوب السهل الذي يُشعر السامع بأني جليس معه ولست معلما له ، وهذه هي مشكلتي مع ادب الأطفال . ”
إن عملية الكتابة للكبار لا يعنيها المستوى العقلي للمتلقي لأنها تتوجه بالأساس الى معدل ذكاء ثابت نسبيا لدى الجميع، أما الكتابة للأطفال فتتطلب مراعاة مستويات الذكاء المختلفة تبعا لمراحل نمو الشخصية للطفل. ومن يكتب للأطفال يجد نفسه مضطرا للوقوف على المراحل المتعاقبة لنمو الطفل وما تتميز به كل مرحلة من خصائص فكرية ومزاجية وعاطفية وسلوكية. ومن هنا كانت الكتابة للطفل أصعب انواع الكتابة لما تقتضيه من معرفة دقيقة لكل معطيات التبليغ الناجح حتى يحصل التجاوب والنجاح وتتم الفائدة ويتحقق الهدف من الكتابة للأطفال.
رغم ان أدب الأطفال يتميز بالبساطة والسهولة، إلا أنه لا يُعتبر “تصغيرا ” لأدب الراشدين، لأن لأدب الأطفال خصائصه المتميزة التي تسبغها طبيعة الأطفال أنفسهم. فالأطفال يختلفون عن الراشدين لا في درجة النمو فحسب، بل في اتجاه ذلك النمو أيضًا، حيث ان حاجات الأطفال وقدراتهم تختلف في اتجاهها عما يميز الراشدين فهناك صفات معينة تختص بالطفولة وحدها ، وهي تزول عندما يكبر اولئك الأطفال .لذا فليس كل عمل أدبي مقدم للكبار يصبح بمجرد تبسيطه أدبا للأطفال .
إن أدب الأطفال كفن مستقل بذاته لم يظهر في العالم إلا في القرن السابع عشر. وُتعتبر سنة 1697 سنة ميلاد أدب الطفل وهي السنة التي نشر فيها الكاتب الفرنسي شارل بيرو ( 1628 ـ1703) اول مجموعة قصصية للأطفال بعنوان ” حكايات امي الأوزة ” ، وصدرت اول صحيفة للأطفال في فرنسا عام 1747 بعنوان ” صديق الأطفال ”
كانت الترجمة مصدرا مهما لأدب الأطفال في الوطن العربي، منذ أن بدأ هذا الأدب بالظهور. وكان محمد عثمان جلال ( 1838ـ 1898 ) من اوائل الذين ترجموا بتصرف يقرب الى الاقتباس لافونتين في ديوانه ” العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ “. ومن بين الحكايات التي نظمها محمد عثمان جلال والتي كان لافونتين قد نظمها الثعلب والعنب والتي تقول : ” رأى ثعلب عناقيد من العنب الأسود الناضج مدلاة في جنة معروشة، فبذل غاية جهده ليصل اليها ، فعجز عنها ولم يحل بطائل ، فانصرف عنها آخر الأمر وهو يعزي نفسه عن خيبة امله ، ويقول في نفسه حصرم مر ، وليس عنبا ناضجا كما كنت اظنه . ” وجاء في الحكاية من نظم عثمان :
حكاية عن ثعلب قد مرّ تحت العنب
وشاهد العنقود في لون كلون الذهب
وغيره من جنبه اسود مثل الرطب
والجوع قد اودى به بعد آذان المغرب
فهمّ يبغي اكلة منه ولو بالتعب
عالج ما امكنه يطلع فوق الخشب
فراح مثلما اتى وجوفه في لهب
وقال هذا حصرم رأيته في حلب
كما وترجم آخرون العديد من الروائع الأدبية منها ” كوخ العم توم “،” قصة مدينتين ” ، ” روبنسن كروسو ” ، ” سندريلا ” و ” اليس في بلاد العجائب ” وغيرها .
تُعد القصة أبرز نوع من انواع أدب الأطفال، وهي تستعين بالكلمة في التجسيد الفني. والقصة لا تعرض معاني وافكار فحسب، بل تقود الى إثارة عواطف وانفعالات لدى الطفل، إضافة الى إثارتها العمليات العقلية كالإدراك والتخيل والتفكير. والقصة تشكل وعاء لنشر الثقافة بين الأطفال لأن من القصص ما يحمل افكارا ومعلومات علمية وتاريخية وجغرافية وفنية واجتماعية، فضلًا عما فيها من دعوة الى قيم واتجاهات ومواقف وانماط سلوك أخرى.