حازم بهجت يكتب | الشعر العربي النيوكلاسيكي

0

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما حاول الشعراء “تجديد” الشعر، لم يكن لديهم تأثير من الغرب، وإنما توجّهوا نحو التقاليد العربية الكلاسيكية والعصور الوسطى. وهكذا ظهر الشعر العربي الكلاسيكي الحديث (النيوكلاسيكي) الذي يختلف بشكل جذري عن النثر الغربي.
إذا نظرنا إلى تاريخ الشعر العربي الحديث، نجد أنه مر بثلاث مراحل مختلفة: النيوكلاسيكية والرومانسية والحداثة. بدأت الحركة النيوكلاسيكية في منتصف القرن التاسع عشر واستمرت حتى حوالي فترة الحرب العالمية الأولى.

وكان أحد الشعراء العرب النيوكلاسيكيين ذوي الأهمية الكبيرة هو المصري محمود سامي البارودي (1839 – 1904). نجح البارودي في العودة إلى النقاء والقصيدة الكلاسيكية العباسية وكان لديه القدرة على التعبير عن تجاربه الفردية في قصائده. كذلك، كان الشاعر المصري الكبير أحمد شوقي (1868 – 1932) من أهم الشعراء في تلك المرحلة. وتميزت بعض قصائد شوقي بروح القصائد القديمة لشعراء العرب القدماء مثل البحتري والمتنبي وغيرهم.

تميزت الحركة النيوكلاسيكية أيضًا في العراق، حيث ظهر ثلاثة شعراء كبار في هذه المرحلة وهم: جميل صدقي الزهاوي (1863 – 1936) ومعروف الرصافي (1875 – 1945) ومحمد مهدي الجواهري (1899 – 1997). ويُعتبر الجواهري أحد أهم شعراء العرب النيوكلاسيكيين في العصر الحديث، حيث تتميز قصائده بالالتزام بعمود الشعر التقليدي وبقدرته اللغوية الكبيرة التي اكتسبها من خلال معرفته الواسعة بالشعر. وقد أظهر الجواهري هذه القدرة منذ طفولته، حيث حفظ العديد من قصائد البحتري والمتنبي وغيرهم من الشعراء الكبار واتبع طريقهم في الشعر.

ويُنسب الجواهري إلى المدرسة الكلاسيكية الحديثة (النيوكلاسيكية)، حيث تُقارن أعماله في الأسلوب مع أعمال أحمد شوقي. تميزت قصائد الجواهري بالغنى اللغوي الكبير والطابع العباسي الواضح، مما جعله يبدو وكأنه أحد الشعراء العباسيين. على ذلك قصيدته التي نظمها وهو شاباً في عام 1921 مخلداً فيها الثورة العراقية الأولى:

لعلَّ الذي ولّى من الدهرِ راجعُ فلا عيشَ إن لم تبقَ إلا المطامعُ
غرورٌ يمنينا الحياةَ: وصفوَها سراب وجنات الأماني بلاقعُ
هو الدهر قارعْهُ يصاحبْكَ صفوه فما صاحب الأيام إلا المقارعُ

هذه القصيدة تظهر قدرات الجواهري اللغوية والشعرية في سن مبكرة جدًا، وتعكس التأثير العميق للشعر العربي التقليدي الكلاسيكي عليه. تميزت قصائده بالثراء اللغوي والتعبير العميق، وهو ما جعله يشتهر بقوة في عالم الشعر العربي الحديث. قد استوحى أسلوبه وفكره من شعراء العصور القديمة، وكانت قصائده تحمل طابعًا عباسيًا راقيًا.

يُعد الجواهري واحدًا من أبرز شعراء العصر الحديث الذين أسهموا في تطوير الشعر العربي وتجديده. وبفضل مساهماته الشعرية، تمكن الشعر النيوكلاسيكي من الازدهار والاستمرارية في العالم العربي والحفاظ على روح الشعر التقليدي والكلاسيكي بعيدًا عن التأثيرات الغربية.
يركز الجواهري في شعره على أداء متقن والالتزام بالتقاليد الشعرية القديمة، مما يمنح قصائده قيمة أدبية وثقافية عالية. يعتبر تمثيلاً للشاعر النيوكلاسيكي العربي الذي استطاع الحفاظ على هويته الثقافية وتراثه الأدبي في عصر معتدل نحو التغييرات والتحديث.

إن إرث الجواهري في عالم الشعر يظل حاضرًا حتى يومنا هذا، ويستمر في الإلهام والتأثير على الأجيال الشابة من الشعراء العرب.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.