حازم محمد عمر يكتب | الآثار والتبعات الاقتصادية للحرب الدائرة في اوكرانيا

0

منذ قرابة الشهر اندلعت العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا والتي يمكن مجازا تسميتها بالحرب الروسية الأوكرانية ونتيجة لردود الأفعال العالمية والعقوبات الغربية التي تم فرضها سيكون لتلك الحرب الدائرة آثار متعددة نرصد هنا منها من خلال هذه المقالة بعض التوقعات للآثار الاقتصادية المحتملة والتي ستطال انعكاساتها معظم الدول شرقا وغربا ،،، فما نلمسه الآن من زيادة ارتفاع الأسعار ليس الا مقدمة فقبل الأزمة الأوكرانية كان ما يقرب من واحد وسبعين في المائة من البلدان النامية تشهد ارتفاعاً لمعدلات التضخم تزيد على 5 في المائة، والآن مع ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء نتيجة تلك الحرب والتي يصاحبها زيادة في تكلفة النقل والتأمين سيزداد التضخم حدة، خاصة في البلدان النامية. هذا فيما يخص التضخم والغلاء ولكن علينا ايضا ان نراقب مؤشرات النمو العالمي الذي تراجع قبل تلك الحرب بسبب جائحة كورونا من قرابة معدل الستة بالمائة إلى ما دون الأربعة ونصف بالمائة لتأتي العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا التي تمثل مصدرا رئيسيا للغاز والطاقة للدول الأوروبية بما يقرب من نصف استهلاكها, مما ينبئ بمزيد من تراجع معدلات النمو الاقتصادي لأوربا ومعدلات التشغيل بها والذي سينعكس بدوره على نسبة معدل النمو العالمي ومزيد من الهبوط إلى ما دون حاجز الأربعة ونصف بالمائة وخصوصا في ظل الحاجة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية وبعض حلفائها إلى إطالة زمن هذه الحرب وتلك العقوبات بغرض تكبيد الجانب الروسي أكبر قدر من الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية.
وقد نرى في الفترة القادمة تغيرات في التجارة الدولية والتوجه إلى تنوع مصادر الاستيراد وإعادة رسم خطوط الإمداد دوليا، بالإضافة إلى التوسع في الاستثمار في مصادر الطاقة البديلة والتراجع عن إغلاق المحطات النووية لتوليد الطاقة.
كما قد يدفع الاستقطاب الدولي الحالي بين الشرق والغرب كثير من الدول إلى نهج تغيرات في بنود موازنتها عبر زيادة الإنفاق العسكري لحماية أمنها القومي وقد نرى ايضا زيادة في الإنفاق على حماية شبكات نظم المعلومات الخاصة بالدول في مواجهة أخطار سيبرانية محتملة وسيكون لذلك آثار على أعباء الموازنات العامة لكثير من الدول.
كل ذلك سيلقي بظلاله حتما على السياسات النقدية العالمية والمرتبطة ارتباطا وثيقا بالمتغيرات الاقتصادية حيث ستلجأ معظم الدول إلى اتخاذ سياسات نقدية في محاولة للحد من التضخم الناتج عن اضطراب معدلات الإنتاج وتراجع معدلات النمو والذي سيدفع البنوك المركزية حول العالم إلى رفع أسعار الفائدة وقد تتخذ الدول المتقدمة سياسات نقدية لتحفيز الإنتاج وزيادة العرض بينما لن يكون هناك حيلة للدول النامية سوي سياسات نقدية لتحجيم جانب الطلب والحد من الاستهلاك.
ومن هنا ستزداد احتمالات التعثر في سداد الديون جراء زيادة التضخم وتراجع النمو وارتفاع تكاليف الاقتراض، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة نسبة المخاطر المرتبطة بالديون الدولية، ولجوء معظم الدول النامية إلى محاولة إعادة هيكلتها، لا سيما إذا استمر هذا التوتر السياسي الدولي والاستقطاب الشديد الحالي.
وأيضا لا يمكن إغفال أثر ما جرى من تسليح الآليات المالية في هذه الحرب وعواقبها المحتملة. فما قامت به الدول الغربية من تجميد أرصدة البنك المركزي الروسي من الاحتياطي النقدي سيجعل دولاً كثيرة تفقد الثقة في سياسات الاحتفاظ باحتياطي نقدي دولاري كبير لمواجهة تحديات ميزان مدفوعاتها وستبحث عن بدائل تكون أكثر أمانا كالذهب والعودة إلى التوسع في الغطاء من المعادن النفيسة.
وأخيرا لابد من الإشارة إلى أثر آخر هام طفى إلى السطح مؤخرا حيث ظهرت الحاجة الملحة للبنوك المركزية لدول كثيرة في محاولات تكوين طرق بديلة للمدفوعات بينها بعد أن شهدوا كيفية استخدام وتسييس الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لنظام المدفوعات (سويفت) كسلاح مؤلم ومؤثر في الحرب الجارية وذلك لكي تتجنب تلك الدول مستقبلا الوقوع في هذا المأزق إذا ما تعرضت لمخاطر سياسية مستقبلا.

* حازم محمد عمر، رئيس حزب الشعب الجمهوري، عضو مجلس الشيوخ.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.