حسام الدين محمود يكتب | السودان بين الحرب والصمت

0

منذ اندلاع المواجهة المفتوحة في الخرطوم في أبريل 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، انزلقت البلاد إلى واحدةٍ من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة، بعد نحو عامين من القتال المتقطّع الذي تمدّد من العاصمة إلى دارفور وكردفان والجزيرة، يقدّر عدد القتلى بعشرات الآلاف فيما تجاوز عدد النازحين 11 مليون إنسان، لتصبح السودان أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم . والكارثة لا تتوقف عند حدود الدم والتهجير؛ فــ70-80 ٪ من المستشفيات في مناطق الاشتباك خرجت عن الخدمة، بينما يتقلّص مخزون الأغذية مع اتساع رقعة المعارك إلى السلة الزراعية للبلاد .

وكلما طال أمد الحرب اتسعت دوائر الخطر أولاً، يتهدّد شبح التفكك الداخلي السودان بتكرار نموذج “دول الأمر الواقع” على غرار ليبيا، حيث تتقاسم المليشيات الموارد والمنافذ الحدودية ثانياً، تمتد تداعيات عدم الاستقرار عبر الإقليم: تدفّق اللاجئين إلى تشاد وجنوب السودان يضغط على دول هشة أصلًا، بينما يفتح الساحل والصحراء مساراً جديداً للأسلحة والمقاتلين. وثالثاً، يتعمّق الانهيار الاقتصادي؛ العملة فقدت أكثر من نصف قيمتها، والزراعة مهدَّدة بعجز بذور ووقود مع إغلاق الموانئ والمطارات.

فضلاً عن الوضع الإنساني المنسي فبحسب تقرير Global Report on Food Crises 2025، يواجه 24 مليون سوداني انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، وأكثر من 5 ملايين على عتبة المجاعة، عمليات الإغاثة تكاد تتوقف: الطرق غير آمنة، ، فيما خفّض المانحون مساهماتهم بعد تركيز الاهتمام الإعلامي على أزمات أوكرانيا وغزة. منظمة العفو الدولية وصفت استجابة المجتمع الدولي بأنها “شحيحة على نحو يُخجل الضمير” . المعسكرات المكتظة في دارفور والنيل الأزرق تفتقر إلى الماء والرعاية الطبية؛ يحصل كثير من النازحين على وجبة واحدة متواضعة في اليوم الواحد

وعندما نتحدث عن المجتمع الدولي الإنساني الذي يُعري صمت العواصم الغربية والعربية خطاب “المسؤولية الجماعية” الذي صدّعوا به العالم في أزمات أخرى. مجلس الأمن اكتفى ببيانات قلقة، بينما فشلت الوساطات الإقليمية المتعددة في فرض وقف نار دائم في الأثناء تُستباح قوانين الحرب قصف للمستشفيات، تجنيد للأطفال، وحصار للمدن؛ جرائم وثّقتها هيئات دولية ثم تُركت بلا عقاب .

في تقديري لكي نمضي في الطريق إلى الأمام إيقاف الحرب يمرّ عبر ضغط دولي منسق لوقف إطلاق النار ويُقيد تدفق السلاح، وبعث مسار إصلاحي تشرف عليه كافه الجهات الأفريقية المعنية، و بالتوازي يجب إنشاء ممرّات إنسانية محميّة بقرار أممي صارم لتجنّب المجاعة الجماعية إن ترك السودان للنزيف سيحوله إلى بؤرة عدم استقرار تمتد من البحر الأحمر إلى الساحل، وحينها سيدفع “المجتمع الدولي الإنساني
” ثمناً أغلى بكثير من تكاليف التدخل اليوم

الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.