حسام الدين محمود يكتب | بعثة مينوسما وتنامي الإرهاب في مالي
أعلنت فرنسا وكندا و27 دولة شريكة من أوروبا وأفريقيا عن التنسيق فيما بينها لنقل مواردها العسكرية من بينها الوحدة الأساسية المكونة من 2200 جندي فرنسي من مالي إلى دول مجاورة، وجاء القرار بعد شهور من التوتر السياسي مع المجلس العسكري الحاكم في مالي، وزيادة النفوذ الروسي على الأرض، ومؤخراً الأزمة المتصاعدة في أوكرانيا، يشار إلى أن القوات الفرنسية متواجدة في مالي منذ تسع سنوات، وقد وصل عددها في ذروة انتشارها إلى خمسة آلاف جندي، وكان هدفها منع الإرهابيين من إقامة دولة خلافة في المنطقة أو استخدام مالي منصةً تنطلق منها التهديدات في الخارج، سواء في أوروبا أو ضد المصالح الغربية في المغرب العربي وغرب إفريقيا، وانضمت دول أخرى لاحقاً إلى انتشار القوات الفرنسية ومع ذلك أدى تدهور العلاقات السياسية مع السلطات المحلية إلى إنهاء هذا الوجود داخل مالي، وبينما أعرب أصحاب المصلحة الدوليون عن التزامهم بمواصلة مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأوسع نطاقاً، إلا أن الوفاء بهذا الالتزام في خضم نقل القوات المحلية والحرب في أوروبا سيتطلب إجراءات منسقة ومشتركة من قبل باريس وشركائها،
في عام 2013، أطلقت فرنسا “عملية سيرفال” استجابة لطلب مالي الدعم لمنع تنظيم «القاعدة» والجماعات المتحالفة معه من الاستيلاء على العاصمة باماكو. وفي عام 2014، استتبعت “سرفال” بـ “عملية برخان” التي كانت أهدافها أوسع نطاقاً وتمثّلت في استهداف تنظيمي «القاعدة» و «الدولة الإسلامية» والجماعات الإرهابية المحلية،
جاء إعلان الرئيس ماكرون أن الجيش الفرنسي سيغلق قواعده في شمال مالي. وكان الدافع وراء هذا التحول هو تطور التهديد نفسه، مع انتقال القادة الإرهابيين في الغالب من الشمال إلى “المثلث الحدودي” بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو؛ وقد نتج ذلك أيضاً عن قيام الجهات العسكرية الأخرى – أي “فرقة العمل الأوروبية «تاكوبا»” و “المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل” – بزيادة عدد فرقها، مما سمح لفرنسا بتقليص نطاق وجودها، وفي تلك الفترة قدمت الولايات المتحدة دعماً كبيراً لكل واحدة من تلك العمليات، لا سيما من خلال إمكانيات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والنقل. وخلال اجتماع عقد في أكتوبر 2021 في روما، تعهد الرئيس بايدن والرئيس ماكرون بزيادة تعاونهما في منطقة الساحل.
على الجبهة العسكرية، أعاقت السلطات المالية تدريجياً حرية العمل الفرنسية والأوروبية، ورفضت تصاريح التحليق ووضعت حواجز أمام انتشار القوات الغربية في المهمات المحلية. ومع تصاعد التوترات، قامت الطغمة العسكرية بتوظيف “مجموعة فاغنر”، التي تعتبر من أقوى الشركات العسكرية الخاصة في روسيا. ورسمياً، برر المجلس العسكري هذه الخطوة على أنها وسيلة لدعم المعركة ضد الإرهابيين، ولكن على أرض الواقع، كان أعضاء “مرتزقة فاغنر” يتصرفون وكأنهم حرس الإمبراطور منذ انتشارهم في وقت مبكر من هذا العام – وهو ترتيب يعكس حرص المجلس العسكري على التمسك بالسلطة، كما لاحظ العديد من المراقبين والمسؤولين، وإزاء هذا الانقسام السياسي والعسكري التدريجي، فرضت “المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا” و”الاتحاد الأوروبي” عقوبات اقتصادية ضد المجلس العسكري في كانون الثاني/يناير. وفي النهاية، قررت فرنسا وشركاؤها نقل قواتهم في محاولة للالتفاف على المجلس العسكري ومحاربة التنظيمات الإرهابية انطلاقاً من البلدان المجاورة.
إن القضية الأكثر إلحاحاً التي تطرح اليوم هي إيجاد الطريقة الفضلى لإعادة تشكيل الجهاز العسكري الغربي في منطقة الساحل. وقد ترى الولايات المتحدة، بصفتها الشريك الأمني الرئيسي لأوروبا في المنطقة، مصلحةً في مواكبة التغيير الذي يشهده الوجود العسكري لفرنسا والحلفاء من أجل التصدي للجماعات الإرهابية في المثلث الحدودي والصحراء الكبرى. وتُعتبر الدول المجاورة مثل النيجر وبوركينا فاسو ضعيفة بشكل خاص بوجه هذه الجماعات، وبالتالي فهي على استعداد لمواصلة التعاون مع القوات الغربية. كما تحاول العناصر الإرهابية التوسع في البلدان الساحلية على طول خليج غينيا. وفي شمال أفريقيا، يمكن أن يساعد إشراك الحكومات الأخرى (مثل المغرب ومصر) بشأن هذه القضايا على المدى المتوسط في التخفيف من حدة التهديدات المحتملة.
أخيراً، قد يكون إشراك الجزائر للمساعدة في تخفيف التوترات بين الطوارق والحكومة المالية خياراً دبلوماسياً مناسباً. وبالإضافة إلى الجهود المتجددة لتنفيذ اتفاق السلام لعام 2015، يمكن أن تكون الجزائر حليفة في الحفاظ على دور “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي” (“مينوسما”)، والتي قد تكون مهددة من قبل المجلس العسكري و”مرتزقة فاغنر”. فهذه البعثة مسؤولة رسمياً عن مراقبة تنفيذ اتفاق الجزائر، ومكلّفة بمراقبة احترام حقوق الإنسان أيضاً، مما قد يمنحها حرية العمل للمساعدة في مراقبة أنشطة “فاغنر”. ومن المهم أيضاً الحفاظ على حسن سير أعمال “البعثة” (“مينوسما”) للحد من العواقب السلبية على الجزائر والمغرب العربي الأوسع.
* حسام الدين محمود، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين.