حسن العاصي يكتب | الأدوية الذاتية.. العلاج بالضحك

0

عديدة هي الدراسات التي صدرت على التوالي خلال الأعوام الماضية، التي تؤكد على أهمية الضحك في معالجة الاكتئاب وتحسين المزاج والتخفيف من الأعراض الناجمة عن المعاناة، وكذلك أثر الضحك على تعزيز الصحة العقلية والنفسية للبشر، والأهم هو قدرة الضحك على تدعيم وتقوية جهاز المناعة لدى الإنسان. وأهميته في شفاء ما قد تعجز عنه بعض الأدوية.

الضحك أيضاً هو من أهم وسائل التواصل الإنساني الاجتماعي منذ الخليقة، وهو أحد أعمق أشكال التعبير الواضح والمباشر عن مشاعر الفرح. الضحك هو أحد أهم الأسرار التي تكمن خلف سعادة البشر، ويمنحهم المقدرة على اجتياز الصعاب.

إن بضع دقائق من الضحك يومياً بصورة مستمرة تقي الإنسان من الأمراض النفسية، وتعزز بنيته الجسدية والعقلية والنفسية، وتحول بينه وبين الكثير من الضغوط والمشاق والأمراض.

غالباً يضحك البشر بطريقة العدوى بسبب وجود شخص يضحك، فنشاركه الضحك دون أن ندرك لماذا نضحك. ويضحك الإنسان حين يتبادل بعض العبارات مع الأخرين ويكون مبتهجاً. وقد نضحك حين نكون متوترين وفي مواقف مخجلة نضحك لكي نداري خجلنا وندافع عن عجزنا وحيرتنا.

بحسب دراسات نشرها علماء “جامعة بورتسموث” البريطانية University of Portsmouth الذين عكفوا على دراسة خصائص الضحك بين الإنسان وبقية الرئيسيات، فإن الضحكة الأولى خرجت قبل ما بين ستة وعشرة ملايين سنة، حين ضحك الجد الأول المشترك بين الإنسان والقرود وأشباه القرود.

في حين كان الضحك رد فعل اجتماعي قبل مليونين سنة، ولم يكن مرتبط بالتفكير الواعي للإنسان، لكن كان له أثر هام جداً باعتباره وسيلة تواصل اجتماعي، مما أسهم في تماسك وانسجام الأفراد فيما بينهم، وعمل على إزالة الحدود والتقارب. أيضاً الضحك كان أداة سيطرة يمتلكها قواد المجموعات البشرية كي يمارسوا سلطتهم في الداخل، وضد من هو خارجها.

العلماء البريطانيون أجروا تجارب على ثلاثة أطفال، وثلاثة صغار لكل من قرود “الشمبانزي والغوريلا والأورانجغو والبونيو والسيامانج” حيث قاموا بدغدغة الجميع ثم مقارنة الأصوات الصادرة عنهم. النتيجة أن جميع الصغار استطاعوا الضحك على الأقل لمدة ثلاث ثوان. لكن اتضح أن ضحك أطفال البشر أكثر حيوية وانتظاماً وأعلى صوتاً وأعلى زفيراً.

ومن المعلوم أنه كي يستطيع الإنسان الكلام لا بد من أن يتحكم بعملية التنفس شهيقاً وزفيراً، وهي الخاصية التي لعبت دوراً في نشوء اللغة. لذلك يعتقد العلماء أن نشوء الضحك وتطوره قد يكون أدى إلى نشوء النطق وبالتالي اللغة المنطوقة، بحسب ما تذكره البروفيسورة البريطانية “مارينا روز”.

الضحك هو أفضل الأدوية، وأحياناً يكون الدواء الوحيد. هكذا يصف البروفيسور الدنماركي “مورتن غرونبيك” Morten Grønbæk كبير الباحثين في المعهد الوطني للصحة العامة في الدنمارك، في دراسة بعنوان “الصحة النفسية تتطلب تركيزًا جديدًا” ونشرت في العام 2016.

وفي دراسة أخرى صدرت عن مركز التعاون الصحي في جامعة آرهوس في الدنمارك عام 2017 بعنوان “بعنوان “الرهانات التي تعزز العمر”، ثبت أن الضحك يمكن أن يكون مخدراً للألم. وهذا ما توصلت إليه نتائج دراسة جديدة صدرت من جامعة أكسفورد على ثلاث مجموعات من البشر، الأولى كان عليها أن تشاهد برنامج مسرحي فكاهي، والثانية تنظر إلى لعبة غولف مملة، والثالثة تنظر إلى برنامج تلفزيوني عن الطبيعة.

تقوم كثير من المشافي في الدول الأوروبية والولايات المتحدة باستخدام مهرجين لتسلية وإضحاك الأطفال المرضى والكبار والترويح عنهم، وجعل الضحك جزءًا من العلاج. من جانب آخر فقد تم إثبات أن الضحك عبارة عن عملية رياضة لمعظم أعضاء جسم الإنسان ولعضلات الوجه والرئتين والمعدة والبطن والحجاب الحاجز. لذلك تم إنشاء أندية للضحك في كثير من الدول المتقدمة.

إن للضحك فوائد صحية ونفسية وعقلية واجتماعية عظيمة. كونوا كرماء على أنفسكم وغيركم وجودوا بالضحك كي تنعموا بالمغانم.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.