حسن شاهين يكتب | ما قبل تمرد الشعب المصري

0

اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فى مصر، تعلن فوز محمد مرسي في انتخابات الرئاسة، ليكون الرئيس الأول بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والرئيس الخامس الذي يتولى سدة الحكم فى مصر، و من هنا .. وبعد يوم ٢٤ يونيو ٢٠١٢، بدأت حالة عداء من جماعة الإخوان الإرهابية و مؤسسة الرئاسة ضد الشعب المصري كله بجميع فئاته.
وصلت الجماعة للحكم من خلال أنشودة الشريعة وأهل الدين، وأن مرسى هو عمرو بن العاص جيل الألفينات، الفاتح لمصر بعد عصور من الظلام والوثنية، هذه الأنشودة عزفها الإخوان وصدَّقها عدد كبير من المسلمين البسطاء.
الأخوان توهموا أنهم يكتبون مجدهم بالنار و الرماد .. ورغبوا فى أحراق مصر..
أظهرت الجماعة نواياها فى اغتصاب الهوية المصرية وتنفيذ أچندة الكيان الصهيوني، فبعد شهرين من تولي محمد مرسي الحكم قرر أن يطيح بالمجلس العسكري فى 12 أغسطس، ولم يكتفِ، ليُصدر بعد ذلك فى 22 من نوفمبر 2012 إعلانا دستوريا جديدا يعطيه الكثير من الصلاحيات الإضافية، ويضمن له الاستحواذ على السلطة التشريعية لحين انتخاب مجلس شعب جديد، إعلان صنع فيه من نفسه إلها.
ودخل “مرسى” بإرادته المنفردة وبمزيد من الدقة بإرادة مكتب الإرشاد، فى صراع مفتوح مع القضاء بدءا بقراره إعادة مجلس الشعب المنحل فى 8 يوليو 2012، ومرورا بالتدخل فى السلطة القضائية بقرار إقالة النائب العام فى 11 أكتوبر 2012، ومن ثم الإعلان الدستورى الذى أصدره، وهو يوم سُجل فى التاريخ باعتباره بداية المذبحة الأولى للقضاء المصرى فى ظل الحكم الطائفى الإخوانى.
الصراع الذى فجَّره الإعلان الدستورى 22 نوفمبر هو صراع سياسى بالدرجة الأولى، ولم تكن الشريعة مطروحة فى سياقه بأى حال من الأحوال، وكان مفهوما قبل تلك المليونية بأيام أن الإخوان فى طريقهم للتظاهر تأييدا للرئيس كما فعلوا يوم 24 نوفمبر أمام القصر الرئاسى بمصر الجديدة.
ولأن تأييد الرئيس الإخوانى فقط لم يكن كافيا لاستقطاب السلفيين وبقية أطياف التيار الإسلامى والمؤلفة قلوبهم مع الجماعة الارهابية، فكان لا بد من استخدام الشريعة وتصويرها على أنها مهدَّدة بما من شأنه أن يستقطب، ليس فقط التيار الإسلامى ولكن أيضا بعض فئات المجتمع، التى لا ترضى فى عمومها تهديد الشريعة أو النيل منها، كعادتنا نحن كمسلمين غيورين على ديننا، كما أن إدخال الشريعة كهدف للمليونية سوف يؤدى إلى إضعاف المعارضين وتشويه صورتهم، وإبرازهم كأنهم معارضون للشريعة، بما قد يبرر تكفيرهم، وتطور الأمر بالدعوة إلى التوجه إلى المحكمة الدستورية العليا والاعتصام أمامها لمنعها أو على الأقل الضغط على قضاتها أثناء نظر أولى جلسات قضيتى حل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية مع أن “مرسى” قد حصَّنهما فى إعلانه الدستورى 22 نوفمبر من الحكم المتوقع للمحكمة الدستورية، وبالفعل توجه أنصار مرسى إلى المحكمة الدستورية العليا وحاصروها، فمنعوا القضاة من دخول المحكمة فى سابقة هى الأولى من نوعها فى تاريخ مصر، وهو الأمر الذى أدى إلى إعلان المحكمة تأجيل الجلسة إلى أجل غير مسمى، أو لحين تمكين قضاتها من دخول مقر المحكمة، وعقد جلساتها، علاوة عن بدء الجماعة فى تنفيذ المخطط الصهيوني بتهجير الفلسطينين لسيناء وتصفية القضية الفلسطينية.
مصر ليست هى الدولة المسحورة التى يمكن لساحر أن يطويها فى جرابه،
شعبية الإخوان، قد أخذت فى التآكل، فقبل أن يحكموا البلاد زعموا أنهم يملكون جميع الحلول السحرية لكل المشكلات والأزمات التي يعاني منها الوطن، وخرج علينا حينها مرشحهم محمد مرسى قائلا: سأقضى على كثير من المشكلات فى المائة يوم الأولى من حكمى، واختار بعض المشكلات الثانوية، وجزم بأنها ستنتهى تماما، فلا مشكلات حُلت، ولا أعباء رفعت.
تمرد فإذا هي تلقف ما يأفكون..
تمرد كانت ناقوس السقوط الذى دوَّى من كل مئذنة وكنيسة وساحة، فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون.
حملة “تمرد” كان هدفها الأساسى سحب الثقة من الرئيس الطائفى والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، جاءتنى فكرة جمع التوقيعات ضد الجماعة الإرهابية، لأثبات أن الأغلبية فى الشارع المصرى ضد إسقاط الهوية المصرية، وضد الإرهاب بكل صوره، وقررت أن تكون الحملة تحت شعار “تمرد”.. اعترض، صوت المصريين حر ومستجاب وقتما أرادوا.. فعلوا.
وبالفعل لاقت فكرتى استحسان عدد من الزملاء، وعليه ألقيت البيان التأسيسى لتمرد عام ٢٠١٣ فى ٢٨ من أبريل، وكنت المتحدث باسمها حتى نهاية الحكم الطائفى فى مصر، تمكنت الحملة من جمع ٢٢ مليونا و ١٣٤ ألفا و ٥٤ توقيعا مقابل 13 مليونا و347 ألفا و380 صوتا جاءت بالإرهابى مرسى على كرسى أكبر منه ومن جماعته، وعندما دعونا المصريين إلى النزول والمشاركة فى ثورة 30 يونيو لحماية بلدهم، شارك 30 مليون مصري فى الثورة المصرية الضرورية، لإنقاذ مصر من مخطط الفوضى فى الشرق الأوسط.
كانت “تمرد” وقتها صوت الشعب المصرى، والتف حولها كل القوى السياسية ونصرها الله لصدق غرضها، وحفظها من الاندثار الرئيس عبدالفتاح السيسى، والجيش المصرى كله عندما أيدوا مُراد الشباب الثورى الحر ورغبةً المصريين فى الحفاظ على بلدهم الغالية مصر.
للتاريخ، سنة الله فى الظالمين لا تتبدل..
مصر الحديثة، التى أقامها “محمد على” على قاعدتين لا ثالث لهم، القاعدة الأول كانت الجيش، الذى أشرف على إنشائه سليمان باشا الفرنساوى أو الكولونيل “سيف”، و القاعدة الثانية كانت القضاء عندما أنشأ المجالس القضائية المحلية، ومجالس التجار القضائية إلى أن أخذ القضاء طريقه إلى التحديث فى العهود التى تلت محمد على، جاء الإخوان وفي أول خمس شهور من تولي الحكم أطاحوا بالقاعدتين.
ظنّ الإخوان، أن بوصولهم إلى الحكم سيكون لهم عهدا كالذى لا يُنقض، وأنه سيخلّد حكمهم، توهموا أنهم أحكموا الإغلاق على أبواب الدولة، وأن مفاتيحها لن تخرج من أيديهم لخمسمائة عام.
لقد أرادوا أن يُحكموا القبضة على مصر، فإذا بمصر تنتفض، وتكسر القيد، وتطوى صفحة ظنّوا أنها ستظل مفتوحة إلى يوم الدين، فليس أطغى على مر التاريخ من مَن توهّم أن الخلود فى الكرسى يعلو على إرادة الشعوب، فسقط الوهم الكبير، وبقيت مصر.
سوف أردد لآخر عمري لو لم تنجح ثورة 30 يونيو ٢٠١٣، لنجحت فى ٢٠١٤ أو ٢٠١٥ إلى ما نهاية الدنيا، الأهم أن المصريين أحرار، ومحال أن يقبلوا بالعبودية أو بضياع هويتهم أو العبث بنسيجهم الوطني، ولجموع الشباب لكم الحرية المطلقة أن تكونوا ساسة أو تسلكوا طريقا آخر بعيدا عنها، لكن فرض وشرف أن تكونوا شبابا وطنيا فى خدمة الوطن فى كل وقت وحين، السلام لمصر وشعبها الأبى الحر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.