حسين علي يكتب | بين الخرافة والعلم

0

إن كل يوم، بل كل لحظة يأتى العلم بجديد، ومن ثمَّ فإن المرء قد يعجز عن تخيل ما سوف يحققه العلم للبشرية ـ إذا قُدِرَ لها الاستمرار فى البقاء ـ بعد عدة قرون من الآن. إنه لم يعد ثمَّة شك فى أن العلم أصبح قوة هائلة ومؤثرة فى حياتنا اليومية. وقد تقدمت بالعلم دول وشعوب وصلت إلى أعلى مستوى حضارى. وتقاعست دول أخرى عن الأخذ بأسباب العلم فتخلفت عن ركب الحضارة، ونحن ننتمى إلى الفئة الأخيرة، إذ نجد ـ فى وطننا العربى ـ من يُحَرِّم على المرأة أن تقود سيارتها بنفسها بحجة أن هذا يتنافى مع مظهر المرأة المسلمة.
كما نجد من يبحث فى مسألة ما إذا كان يحق لطالبات كليات الطب أن ينظرن ـ أثناء التشريح ـ إلى الجثة العارية للرجل أم لا!!

والواقع أنه لا بد لأى شعب يريد اليوم أن يجد مكانًا له تحت الشمس أن يحترم أسلوب التفكير العلمى ويأخذ به، وإذا أمعنا النظر فسنجد أن العلم هو أولًا وقبل كل شىء منهج فى التفكير قبل أن يكون معامل وأنابيب وأجهزة، فالإنسان العادى عندما يفكر فى البحث العلمى يتخيل مختبرًا يحتوى على كمية كبيرة من الأنابيب الزجاجية المعقدة، وعلى كثير من الأجهزة الفنية الغامضة، كما أنه عادةً ما يتم تخيل الرجل العالِم وهو يقف بمعطفه الأبيض وسط المختبر ومعه «كما يجىء فى أفلام السينما الأمريكية» مساعدة شقراء جميلة، ولكننا إذا حذفنا من هذه الصورة المعدات الفنية والمعطف الأبيض والمساعدة الحسناء، فلن يتبقى إلا الرجل والتجربة.
ففى الإنسان والتجربة نجد مفتاح المنهج العلمى، وإذا كنا ننظر إلى العلم بوصفه منهجًا، فإننا ننظر إليه على هذا النحو بغض النظر عن الموضوعات التى ندرسها بذلك المنهج. فليس العلم وقفًا على نوع الحقائق التى يبحثها العلماء، لأن الحقائق التى يبحثونها مختلفة، ورغم اختلاف موضوعاتهم فنحن نطلق عليهم جميعًا لفظ «علماء» والذى جعلهم يستحقون هذا الوصف هو منهجهم الذى اعتمدوا عليه فى البحث لا مادتهم التى يبحثونها.
وعلى ذلك يمكننا القول إن العلم هو طريقة فى النظر إلى الأمور تعتمد أساسًا على العقل والبرهان المقنع ـ بالتجربة والدليل ـ وهى طريقة يمكن أن تتوافر لدى شخص لم يكتسب تدريبًا خاصًا فى أى فرع بعينه من فروع العلم، كما يمكن أن يفتقر إليها أشخاص يتوافر لهم من المعارف العلمية حظ كبير، واعترف بهم المجتمع بشهاداته الرسمية، ومنهم من وصل إلى منصب الأستاذية فى الجامعة، ومع ذلك نراهم يدافعون بشدة عن كثير من الخرافات، رغم أنهم داخل تخصصهم يتبعون منهجًا علميًا دقيقًا وحاسمًا، لا يقل دقة وحسمًا عن المنهج الذى يتبعه أقرانهم من أساتذة جامعات أمريكا وأوروبا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.