حسين محمود التلاوي يكتب | دور اللغة في تشكيل المجتمعات

0

تعتبر اللغة من أكبر العوامل تأثيرًا في توحيد أو تفرقة الأفراد؛ ومن ثم فهي تلعب دورًا بارزًا في تشكيل المجتمعات الإنسانية؛ فكم من المواقف مر بها كل منا في حياته استشعر فيها دور اللغة في تحقيق التواصل مع آخرين سواءً كان هذا التواصل بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر مثل الرغبة في متابعة نشرة أخبار بلغة غير لغته الأم أو بالرغبة في متابعة الدراسة في دولة معينة.

وفى تجمع مواطني الدولة الواحدة أو الثقافة الواحدة في بلاد الاغتراب نموذجًا على دور اللغة في صياغة مجتمع إنساني. وحتى في العلاقة بين بلاد الاستعمار والبلاد التي جرى استعمارها، نجد اللغة تفرض علاقة خاصة بين الطرفين بعد انتهاء مرحلة الاستعمار. ويُعَدُّ تشكيل فرنسا لمنظمة الفرانكفونية التي تضم الدول الناطقة بالفرنسية مثالًا على دور اللغة في تجميع الأفراد فيما يشبه المجتمع الجديد.

لكن كل ما سبق يعتبر أمثلة على نجاح اللغة في لعب دور في عملية التواصل بين الأفراد إلا أن السؤال المهم هو: ما الذى أعطى للعنصر اللغوي هذه القدرة؟! أو بصياغة أخرى: ما الذى أعطى للغة هذه الأهمية؟!

تسهل اللغة المشتركة من عملية التواصل بين الأفراد الأمر الذى يخلق العديد من مجالات التفاعل المشتركة الأخرى، بجانب أنه يساعد على نقل الخبرات بين الأفراد؛ ومن ثم العمل على تسهيل تطوير هذه الخبرات بصورة أعمق. وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك أيضًا دور اللغة وما تحمله من ثقافة إنسانية في إيجاد بناء اجتماعي موحد للمجتمع من واقع القيم التي تحملها ثقافة هذه اللغة.

كذلك تؤدى اللغة إلى إيجاد الأدب الذى يعبر عن ثقافة وأخلاقيات كل مجتمع سواء كان الأدب مكتوبًا أم شفاهيًّا. ويساهم هذا في إكساب قوة وحضور لهذه القيم الأخلاقية، بالإضافة إلى نقله لهذه العادات والتقاليد والقيم إلى الأجيال القادمة من هذا المجتمع ما يعطيه الحيوية والاستمرارية.

الأمثلة التي لعبت فيها اللغة دورًا في تطور المجتمعات الإنسانية بل ونشوئها أمثلة عديدة؛ ومن أهمها نشأة الدولة البلغارية التي قامت على أساس إحياء اللغة البلغارية كعنوان على وجود قومية بلغارية مختلفة عن قوميات أوروبا المختلفة إبان الحكم العثماني لهذه البقاع وذلك في منتصف القرن التاسع عشر. كذلك أسهمت اللغة في صياغة المجتمع العربي في الجاهلية بعد أن تجمع كل أفراده تحت لواء النطق باللغة العربية وهو ما أدى إلى عدم تشتته بين القوى السياسية المحيطة به في العالم القديم وهى الفرس شرقًا والروم غربًا.

كذلك تعد اللغة العبرية من العوامل التي ارتكن عليها اليهود في الحفاظ على خصوصية مجتمعاتهم في البلدان التي استقروا فيها كما أنهم استنوا عليها في تأسيس المجتمع الجديد الممثل في “إسرائيل”. والأمثلة الأخرى من التاريخ الإنساني متعددة على دور اللغة في تشكيل أو إعادة صياغة المجتمعات الإنسانية أو الحفاظ على هوية هذه المجتمعات بجانب دورها في تطوير الفكر الإنساني العام.

لقد تحولت اللغة في العصر الحديث إلى أساس فاعل في تشكيل المجتمعات، وفي إعادة صياغة مجتمعات كانت موجودة، وتحللت، ثم عادت للتشكل من جديد، ولكنها لم ترق إلى مستوى تكوين مجتمع جديد على أساس لغوي؛ لأن اللغة أساسًا من نواتج الحياة الاجتماعية للإنسان.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.