حسين محمود التلاوي يكتب | مفهوم المجتمع

0

وردت في الكتابات التي ناقشت مفهوم المجتمع العديد والعديد من التعريفات التي فسرت مفهوم المجتمع متخذة في ذلك مداخل عدة ومن بين هذه التعريفات ما قدمه هودجز بقوله إن “المجتمع كيان أو مجتمع كبير من البشر يعيشون معًا لفترة كافية كي يصبحوا منضمين أو يفكروا في أنفسهم كوحدة اجتماعية متميزة تختلف عن غيرها من المجتمعات الأخرى من البشر”.

في هذا التعريف لم يبرز هودجز الدوافع التي أدت إلى أن “يعيش مجموعة من البشر لفترة زمنية كافية” بالإضافة إلى إغفاله ذكر قابلية المجتمع للتأثير في المجتمعات المحيطة أو تأثره بها، وما لهذه العملية من التأثير والتأثر دور كبير في تطور المجتمع الإنساني، وفي نموه، وفي مدى إمكانية محافظته على الاستقرار الذاتي.

هذا عن تعريف هودجز. أما تعريف جودمان فيوضح أن “المجتمع هو كيان أو مجتمع مستقل نسبيا من البشر يتفاعلون مع بعضهم البعض في علاقات ذات طابع اجتماعي، ولهم ثقافة عامة تنتقل من جيل إلى آخر”.

وقد خطا جودمان في هذا التعريف خطوة متقدمة لم يخطها هودجز؛ وهى إشارته إلى وجود ثقافة ما في أي مجتمع بشري، بالإضافة إلى وجود آلية ما تنقلها من جيل إلى آخر. بيد أن هذا التعريف أيضًا يعانى ذات أوجه القصور التي عانى منها التعريف السابق.­

فيما بعد ذلك قدم الدكتور على السيد الشخيبي مفهومًا أشار فيه إلى وجود مصالح مشتركة تجمع بين الأفراد الذين يكونون المجتمع؛ مما يعد إشارة إلى وجود دوافع محددة أدت إلى نشأة المجتمع. والمفهوم الذى قدمه الشخيبي يشير إلى أن “المجتمع هو مجموعة كبيرة من البشر لها ثقافة خاصة بها، ولديها شعور بالتوحد فيها بينها، والتميز أو الاستقلال عن غيرها من الجماعات البشرية الأخرى، وتعيش هذه الجماعة على أرض لفترة زمنية كافية لأن يتفاعل أعضاؤها بعضهم مع بعض لتحقيق أهداف ومصالح مشتركة”. ويعانى هذا التعريف من عدم الإشارة إلى إمكانية تأثير المجتمع وتأثره بالمجتمعات الأخرى المحيطة.

ومن هذه التعريفات السابقة، يمكن استخلاص مجموعة من المفاهيم التي تحكم أي تصور للمجتمع وأى توضيح لماهيته وهذه المفاهيم هى:

‌أ. اعتماد التكون الأولى للمجتمع على أفراد عدة لا على فرد واحد.

‌ب. وجود أهداف ومصالح تدفع بتكون المجتمع.

‌ج. أهمية التعايش الزمنى لفترة حتى تتكون أسس وقواعد عامة قوية تجمع بين الأفراد بغرض تحقيق المصالح المرادة.

‌د. الدور البارز الذى يلعبه القرب الجغرافي في نشأة المجتمع بحيث تلزم المعيشة على ذات الأرض من أجل تكون مجتمع.

‌هـ. وجود ثقافة ما داخل أي مجتمع أي جانب وجود آليات يضعها المجتمع من أجل انتقال هذه الثقافة.

‌و. الرغبة في الاستمرار والترقي نتيجة وجود هذه الثقافة والرغبة في نقلها للأجيال القادمة.

من قراءة لهذه المبادئ العامة يمكن تقديم تعريف للمجتمع على أنه “كيان إنساني يتشكل من مجموعة من الأفراد تعيش على أرض لفترة زمنية ما تكفى لتكوين عدد من المصالح، والأهداف المشتركةـ، تلجأ في تحقيقها إلى وضع نمط ثقافي معين بما يميزها عن غيرها من المجتمعات الأخرى ويتسم بالمرونة الكافية للانتقال إلى الأجيال القادمة وللتفاعل التبادلي مع غيره من الأنماط المماثلة لدى هذه المجتمعات الأخرى”.

وهذا المفهوم يشمل ما سبقت الإشارة إليه من وجود دوافع وراء هذا التجمع، وارتباط وصلة بالبعدين الزماني والمكاني، أو وجود الرغبة في الترقي عن طريق نقل الثقافة والسماح بنيل الأفضل من ثقافات المجتمعات الأخرى، ونقل الأفضل مما لدى المجتمع إلى تلك المجتمعات، أو نقل الهدام مما لدى المجتمع في حالة كان الغرض هو ضرب استقرار هذا المجتمع المغاير.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.