حــسـن شــاهــين يكتب | المشير طنطاوي ..قائد صنع التاريخ

0

ميلاد قائد من طراز فريد

في رحاب الذكرى الرابعة لرحيل المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة، نستعيد سيرة رجل استثنائي، ترك بصماته في ساحات القتال كما في لحظات السياسة العصيبة، كان رمزًا للوطنية والجندية والانضباط، ورجل دولة لم يعرف سوى أن يضع مصلحة مصر فوق كل اعتبار.

وُلد طنطاوي عام 1935، وتخرّج في الكلية الحربية عام 1956، ليبدأ مسيرة عسكرية امتدت لعقود طويلة، خاض خلالها معظم حروب مصر الحديثة

بطل معركة “مزرعة الصينية”

في حرب أكتوبر 1973، قاد كتيبة مشاة ميكانيكية في معركة مزرعة الصينية، إحدى أعنف معارك العبور وأكثرها دموية، هناك صمد بجنوده في مواجهة هجوم إسرائيلي شرس مدعوم بالدبابات والطائرات، لكنه رفض التراجع، وظل يقاتل حتى آخر طلقة، تلك المعركة جسدت الصلابة المصرية في أبهى صورها، وكانت دليلًا على أن المصري لا يعرف الاستسلام.

بطولات أكتوبر لم تكن مجرد ذكرى، بل ميراثًا حيًا سلّمه طنطاوي وأبناء جيله إلى الأجيال اللاحقة: أن الراية لا تسقط أبدًا.

وزير الدفاع وصمام الأمان

عُيّن وزيرًا للدفاع عام 1991، وظل على رأس القوات المسلحة أكثر من عقدين، وخلال هذه الفترة عمل على تطوير الجيش وتسليحه، مؤمنًا أن القوة الحقيقية ليست في العتاد وحده، بل في العقيدة والإيمان بأن الجيش هو الحصن المنيع الذي يحمي هوية الوطن.

ثورة يناير… وحماية الدولة من الإنهيار

في 25 يناير 2011، إندلعت الثورة الشعبية، وإهتزت مؤسسات الدولة حتى كادت أن تنهار، وبعد تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير، تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوي إدارة البلاد، كانت مصر وقتها على حافة المجهول، لكنه بخبرته وهدوئه قاد المرحلة الإنتقالية، مانعًا الإنزلاق إلى الفوضى، ومؤكدًا أن الجيش لن يتخلى عن مسؤوليته التاريخية: حماية الدولة لا التورط في الصراع على السلطة.

مواجهة مشروع الإخوان

في تلك الفترة الحرجة، وقف طنطاوي سدًا منيعًا أمام محاولات جماعة الإخوان للهيمنة على مؤسسات الدولة، ورغم الضغوط الهائلة، ظل ثابتًا على موقفه بأن مصر أكبر من أي جماعة.

وخلال لقائه بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون عام 2012، وجّه رسالة للتاريخ حين قال:
القوات المسلحة لن تسمح لأي فصيل بالهيمنة على مصر… هذه الدولة “ملك لكل أبنائها”.

لم يكن غريبًا أن يُقيله محمد مرسي بعدها في محاولة لتثبيت سلطة الجماعة، لكن إقالته لم تُسقط من مكانته، بل عززت صورته كقائد رفض الخضوع لمشروع الهيمنة.

من روح طنطاوي إلى 30 يونيو

وعندما جاءت ثورة الثلاثين من يونيو 2013، كانت الروح التي غرسها طنطاوي حاضرة في أجيال جديدة من أبناء القوات المسلحة، وعلى رأسهم الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع وقائد عام الجيش آنذاك، لقد حملوا الراية نفسها التي حملها طنطاوي، ليكملوا مسيرة الدفاع عن الوطن ويستجيبوا لنداء الملايين الرافضين لحكم الإخوان.

كان المشير، وإن ابتعد جسديًا، حاضرًا بروحه ومبادئه، فدروسه هي التي صنعت يقظة الدولة في تلك اللحظة المصيرية.

أبناء المشير في الميادين

ونحن، أبناء هذا الوطن، كنا أيضًا “أولاد المشير”، في ميادين 30 يونيو شعرنا أننا نكمل الدرس الذي علّمنا إياه: أن مصر لا تُباع ولا تُشترى، وأنها أكبر من أي تنظيم أو أيديولوجيا.

كنت فخورًا وقتها أن أكون أحد رموز هذه المرحلة، مؤمنًا أن ما تعلمناه من جيل أكتوبر ومن المشير طنطاوي بالذات هو ما دفعنا للتمسك ببلدنا والدفاع عنها، لقد ألهمنا كيف نصون الدولة ونحميها، وكيف نُقدّم مصلحتها على أي مصلحة أخرى.

إرث خالد وقيم باقية

إرث طنطاوي لا يقتصر على بطولاته العسكرية ولا على إدارته لأخطر المراحل السياسية، بل يمتد إلى قيمه التي غرسها في القلوب: الوطنية الصادقة، الثبات على المبدأ، الإخلاص في العمل، والتضحية في أصعب الظروف. كان رجلًا يعمل في صمت، لا يسعى إلى الأضواء، لكنه صنع تاريخًا سيظل حاضرًا في وجدان كل مصري مخلص.

اليوم، ونحن نحيي الذكرى الرابعة لرحيله، ندرك أن مصر ما زالت بحاجة إلى رجال من طينته: قادة يعرفون معنى الدولة ويحملون الراية بلا تردد.

إن الخيط الرفيع الذي يربط بين معركة أكتوبر 1973، وأحداث يناير 2011، وثورة يونيو 2013 هو أن مصر لا تنكسر، وأن أبناءها قادرون دائمًا على حمل الأمانة.

رحم الله المشير محمد حسين طنطاوي، قائدًا عظيمًا ورمزًا خالدًا، سيظل شاهدًا على أن مصر أكبر من أي عاصفة، وأبقى من أي جماعة، وأعظم من كل التحديات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.