حميد كورجي يكتب | بين الشعر العاطفي والسياسي

0

بين الشعر العاطفي والسياسي
حميد كورجي

يُعتبر هذا النوع من الشعر مساحة أوسع لاستكشاف الإمكانيات الفنية، تنويع الصور، والتأمل الذاتي العميق، واستخدام الرمزية والإيحاء، مما يُعزز من القيمة الجمالية والإنسانية للشعر. بالمقابل، يجد الشاعر السياسي نفسه في بعض الأحيان مُجبراً على التضحية بالجماليات لصالح الوضوح والمباشرة لإيصال رسالته بشكل سريع وفعّال خلال فترات النضال المكثف أو تحت ضغط الجماهير. يؤدي هذا التوجه أحياناً إلى ميل نحو النصوص ذات الطابع المباشر الذي قد يفتقر إلى العمق الفني، مما يجعل بعض تلك الأعمال تبدو “قاسية” أو بعيدة عن الحس الإبداعي.
بابلو نيرودا من تشيلي يُعتبر مثالًا مميزًا على التنوع بين الشعر العاطفي والنضالي. ففي الجانب الغزلي، تُعد مجموعته “عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة” إحدى أبرز كلاسيكيات الشعر الرومانسي، والتي تتسم بحس طبيعي وعميق. أما في المجال السياسي، فكان نيرودا شيوعيًا ملتزمًا قدم “النشيد العام”، وهو عمل ملحمي ضخم يُبرز تاريخ أمريكا اللاتينية ونضالها، حيث استطاع أن يحافظ على رقي المستوى الفني باستخدام التاريخ والملحمية كإطار جذاب بدلًا من الاكتفاء بالشعارات المباشرة.

أما ناظم حكمت من تركيا، فقد تميزت قصائده العاطفية بنقاء إنساني ودافعية مشاعر مُضاعفة، خصوصًا تلك التي كتبها خلال فترة سجنه. وإلى جانب ذلك، ترك بصمة واضحة كشاعر ثوري، حيث كانت العديد من قصائده تهدف لتحفيز العمال والفلاحين على التغيير الاجتماعي. ومع أن بعضها جاء مباشرًا في التعبير عن الصراع الطبقي، إلا أن اعتماده على الصور اليومية والبسيطة أضفى قوةً فنية على نبرة كتاباته الثورية.

يُلاحظ أن الشعر السياسي يحافظ على جاذبية فنية عندما يعتمد على الرمزية بدلًا من التصريح الواضح، ويستفيد من الأسطورة والتاريخ كإطار فني لتقديم رؤية نضالية تُجسد تجربة إنسانية داخلية وعميقة بعيدًا عن كونها مجرد بيان سياسي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.