حنضوري حميد يكتب | الذكاء العاطفي

0

يعد الذكاء العاطفي من بين الحقول الحيوية المثيرة للاشتغال. إذ احتل في السنوات الأخيرة حيزا شاسعا في ميدان العلمي والأكاديمي ، كما له مكانة مركزية ومهمة خصوصا في مجال علم النفس بشقيه الاجتماعي و الاكلينيكي. ولهذا لقي اهتماما بالغا وإقبالا خاصَّا من قِبلِ علماء النفس، باعتباره إحدى خاصيات الإنسانية التي تساهم بشكل أساس في النمو والتطور الانسان وجعل حياته متوازنة ومستقرة، و تبني منهجا توليفيّا وتوفيقيّا يجمع بين الفكر العقلي المنطقي والعقل العاطفي الإحساسي لأن من الضروري توفيق بين الطرفين، ولا يمكن الاعتماد طرف واحد في بناء شخصية متزنة ورصين، بالرغم أن كثير من الأشخاص يعتقدون أن التفكير الجيد والسليم لا يستقم إلا بنزع العاطفة وجعلها غائبة وهذا الأمر غير صحيح . وبناء على هذه الفذلكة يمكن القول إن الذكاء العاطفي هو ” القدرة على فهم واستخدام وإدارة مشاعرك وعواطفك الخاصة بطرق إيجابية، لتخفيف المشاعر السلبية كالقلق والتوتر والإحباط، والقدرة على التواصل مع المحيطين بك بفعالية أكبر”.
هناك العديد من طرق لتنمية الذكاء العاطفي، وبما أن هذا الذكاء العاطفي ليس عطاء طبيعي أو تبرع من بيئة وراثية ولا خاصية ترافق الفرد منذ ولادته، بل هو مهارة يكتسبها الفرد من البيئة المحيطة به من أسرة ومجتمع وبيئة التربوية، التي تسمح له باكتشاف ذاته وتحفزه على استخدام قدراته العقلية والفكرية، كما تمكنه أيضا جمع بين القدرات العقلية و المشاعر والأحاسيس الداخلية. ولهذا وضع المختصين في مجال التنمية الذاتية بعض الطرق لتنمية الذكاء العاطفي وهي كالأتي:
كتابة الأفكار والمشاعر: فعن الطريق الكتابة يمكن مزاوجة بين ما هو عاطفي إحساسي وعقلي فكري ومنطقي، حيث تكون مساحة الحرية أكثر، لتعبير عن اللاوعي ومحاولة ترجمة الأفكار إلى الواقع، ويكون الحق في الخطأ وإعادة النظر في ما تحمل من أفكار غير ناضجة أو خارجة عن الصواب، وستجد الفرصة للتصحيح دون أن تؤذي أحد. فبواسطة ربط المشاعر بالأفكار. فقد أكدت الدراسات والأبحاث أن ممارسة هذه التقنية البسيطة بشكل يومي لها دور في تعزيز الذكاء العاطفي.
تقبل النقد البنّاء: وهذه القاعدة غاية في الأهمية، وهي الحقيقة الغائبة والقائدة التي تنقصنا في الكثير من المواقف والمواقع. فالاعتماد على النقد البنّاء تمكّن الفرد من الحصول على الفرصة لتصحيح أخطاءه وتطوير ذاته بناء عن الملاحظات المعطاة من طرف الأخرين. فإعطاء الملاحظات والنصائح والتصويبات وبدون مجاملة، ويكون التلقي بصدر رحب ودون انزعاج ، تصنع فردا فعالا ومتكاملا سير نحو الأفضل وتطور الذكاء العاطفي لدى الفرد، وتخلق مجتمع يتقبل الاختلاف ويعيش ضمن ثقافات متعددة.
معرفة متى ينبغي التوقف الحديث: وهذه المسألة تتطلب من الفرد أن يكون ذكيّا، حتى يضع تقييماً لطبيعة الحوار والنقاش، هل هو حديث ذو جدوى أم نقاش عقيم ومضيعة للوقت واستنزاف للطاقة. ولما يتمكن من تحديد نوعية النقاش القائمة يحاول الفرد بطريقة ذكية وحربائية أن ينهي الحوار دون إعلان عدم رغبته في المشاركة ودون خدش لمشاعر أحد.
عدم مقاطعة أو تغيير الموضوع: إذ تعد هذه الخطوة الركيزة الأساس نحو بناء نقاش فعّال وبنّاء ذو نتيجة إيجابية، لأن من أدبيات الحوار واحترام الأخرين وإعطائهم أهمية هي عدم المقاطعة في الحديث حتى تنتهي الفكرة، حتى لا يسيء الفهم وتكون الفكرة واضحة والمقصود من القول مفهوم. وعندما يحسن المرء هذا الفعل وواعي بهذا السلوك، يكون قد أسهم بشكل مباشر في بناء ذكاءه العاطفي ويخطو خطوات صحيحة وبنّاءة نحو اندماج في المجتمع بمعاير مطلوبة من قِبَلِ العامّة .
تعاطف مع ذاتك والآخرين: هذه الخطوة مغيبة عند الكثير من الأشخاص، حيث لا يجد خيط ناظم ليوافق بين ما هو ذاتي وما هو اجتماعي محيطي، بمنهج توفيقي وتوليفي ووسطي، لأن الكثير يحسن هذا الأمر جيدا، إما يبالغ في تعامل مع الاخرين وينسى ذاته أما يحصل العكس، وهذا النوع من التعامل لا يؤثر بشكل إجابي في الحياة الاجتماعية لأن هناك غياب لإحدى الطرفين. ولهذا يفضّل أن يكون التعّامل وسطيّا.
خاتمــــة
ونافل القول إن الذكاء العاطفي من الأمور التي تستوجب الاهتمام بها والحث على تدريسها، سواء في الشأن التربوي أو الاجتماعي أو في ميدان العملي الوظيفي، نظرا لما له من تأثير كبير بشكل والإيجابي على تجويد حياة الفرد، وصناعة شخصية قيادية ناجحة ومتفوّقة ذات نجاعة وفعالية سواء في الميدان العملي والعلمي أو مع المحيط الاجتماعي، لأن في التعرف على الأخرين هو انفتاح على الثقافات الغير واكتشاف للعادات واكتساب لمعارف جديدة. ولهذا فإقامة العلاقات الاجتماعية الهادئة والسليمة لها إسهام بلا شك في النجاح سواء في المسار الوظيفي أو الشخصي أو في المحيط الاجتماعي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.