دينا عامر تكتب | المرأة من التشريع إلي التمكين

0

في الخامس والعشرين من نوفمبر من كل عام يتجدد النداء العالمي لإنهاء العنف ضد المرأة ومع انطلاق حملة الـ16   يومًا لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي تبرز التجربة المصرية كنموذج متكامل في التحول من مرحلة الاهتمام إلى مرحلة الإنجاز بفضل إرادة سياسية جعلت حماية المرأة جزءًا أصيلًا من مشروع الدولة للتنمية والعدالة الاجتماعية فمنذ إقرار دستور 2014 الذي نص بوضوح في مادته (11) على التزام الدولة بحماية المرأة من كل أشكال العنف وتمكينها في المجالات كافة بدأت مصر مرحلة جديدة من الإصلاح التشريعي والمؤسسي فقد شهد قانون العقوبات تعديلات جوهرية شملت تغليظ عقوبات التحرش والاعتداء الجنسي وتجريم التنمر والعنف الأسري إلى جانب قانون حماية الشهود والمبلغين الذي وفر بيئة آمنة للنساء للإبلاغ دون خوف من الانتقام أو الوصم المجتمعيولم تقف الجهود عند حدود التشريع بل صاحبها تطوير لمؤسسات الدولة وقدراتها التنفيذيةفأنشأت النيابة العامة وحدة متخصصة لمتابعة قضايا العنف ضد المرأة وهو تطور مهم عزز سرعة الفصل في القضايا وحسّن من جودة التعامل مع الناجياتكما تبنت وزارة الداخلية إنشاء وحدات مكافحة العنف الأسري داخل عدد من أقسام الشرطة مدعومة بتدريب متخصصين للتعامل الإنساني والمهني مع النساء وفي موازاة ذلك كثف المجلس القومي للمرأة دوره في الرصد والمناصرة ووسّعت وزارة التضامن الاجتماعي شبكة بيوت الإيواء والدعم النفسي والاجتماعي للناجيات بما يضمن تقديم حماية متكاملة تتجاوز الحلول المؤقتة إلى بناء منظومة دعم حقيقية كما أطلقت الدولة “الاستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030” التي جعلت مكافحة العنف أحد محاورها الأساسية في إطار رؤية شاملة تؤكد أن الحماية لا تنفصل عن التمكين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي فكلما زادت قدرة المرأة على العمل واتخاذ القرار قلت هشاشتها أمام العنف أو التمييز أما على مستوى الوعي العام، فقد أثرت الحملات التوعوية مثل “معًا ضد العنف” و“التاء المربوطة سر قوتك” في تغيير الصورة الذهنية السائدة وربطت مفهوم الحماية بالكرامة والحقوق لا بالوصاية أو الشفقة مما أسهم في ترسيخ ثقافة مجتمعية جديدةإن تميز التجربة المصرية يكمن في أنها لم تعد تكتفي بالمواجهة القانونية بل توسعت لتشمل الوقاية والتمكين وبناء الوعي فالدولة باتت تتعامل مع العنف باعتباره قضية تنمية واستثمار في الإنسان قبل أن يكون قضية جنائية وتدرك أن التعليم والعمل هما خط الدفاع الأول في مواجهة أي شكل من أشكال العنف ورغم استمرار بعض التحديات الاجتماعية والثقافية فإن النهج المؤسسي الواضح والإرادة السياسية الحاضرة يضمنان استمرار هذا المسار التصاعدي للعدالة والمساواة واليوم لم تعد مواجهة العنف قضية موسمية أو شعاراتية بل أصبحت ملفًا وطنيًا تتابعه الدولة بعقل استراتيجي وقلب إنساني إن العدالة في مصر تتجدد بتجدد التزامها بحماية مواطناتها لتؤكد أن المرأة ليست فقط متلقية للحماية بل شريكة في صناعة الأمان والنهضة وأن مستقبل الوطن لا يكتمل إلا بصوت المرأة وكرامتها وأمانها

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.