دينا عامر تكتب | المواطن الفعال

0

المواطن شريك في بناء المستقبل: كيف ننتقل من مقعد المتفرجين إلى ساحة الفعل؟
في كل مرة تقف فيها الأمة على عتبة مرحلة جديدة، سواء لمواجهة تحدٍ طارئ أو لإعادة رسم خريطة أولوياتها، يبرز سؤال مصيري: أين يقف المواطن من كل هذا؟
هل هو مجرد متلقٍ سلبي للقرارات، يراقب المشهد من بعيد، أم أنه لاعب أساسي وشريك حقيقي في صناعة الغد الذي يصبو إليه؟
إن فكرة المواطنة الفعّالة ليست مجرد مصطلح أكاديمي أو شعار يُرفع في المناسبات الوطنية. إنها الروح التي تضخ الحياة في جسد الدولة، والضمانة الحقيقية لتحقيق تنمية شاملة وعادلة. فلا يمكن لأي خطة، مهما كانت عبقرية، أن تنجح بمعزل عن مجتمع يمتلك الوعي والإرادة للمشاركة والتفاعل.
لكن، ما زال البعض يتعامل مع الشأن العام وكأنه “مهمة الآخرين”، قناعةٌ خاطئة بأن السياسة حكرٌ على فئة معينة، وأن دور المواطن يبدأ وينتهي عند صندوق الاقتراع.
هذا التصور يختزل قيمة الصوت الفردي ويُفرّغ المشاركة من معناها الحقيقي.
الحقيقة أن صناعة القرار ليست قلعة منيعة، بل هي عملية تفاعلية تبدأ من أصغر الدوائر.
قد تنطلق من فكرة يطرحها شاب في مقهى، أو من حاجة ملحة يرصدها سكان حيّ، أو من متابعة نقدية بنّاءة لمشروع عام.
التاريخ مليء بقصص مبادرات مجتمعية بسيطة تحولت، بفضل الإصرار والدعم، إلى سياسات وطنية غيّرت حياة الملايين.
المواطن الفعّال ليس بالضرورة “معارضًا” دائمًا أو “ناقدًا” لكل شيء.
بل هو المواطن الحاضر بوعيه، الذي يسأل ليبني، ويراقب ليُقوّم، ويشارك ليُضيف.
هو من يدرك أن العلاقة مع الدولة هي علاقة شراكة، لا علاقة متفرج ينتظر النتائج.
وهذه الشراكة تبدأ بخطوات عملية بسيطة لكنها عميقة الأثر:
الإبلاغ عن خلل خدمي في محيطك.
المشاركة في حوار مجتمعي يُعقد لمناقشة قضية تهمك.
تقديم مقترح مدروس ومبتكر لجهة مسؤولة.
التصدي لشائعة مضللة على وسائل التواصل الاجتماعي.
كل فعل من هذه الأفعال هو لبنة في صرح مجتمع حيوي، يُنتج الحلول ولا يستهلكها، ويقود التغيير ولا يُقاد إليه.
فالديمقراطية الحقيقية لا تُصنع فقط في مواسم الانتخابات، بل تُنسج خيوطها كل يوم بالعقول التي تفكر، والقلوب التي تهتم، والأيادي التي تبادر.
مجتمعاتنا تزخر بطاقات هائلة، وشباب يمتلك الطموح، وخبرات تستحق أن تُستثمر.
وبتحويل هذه الطاقات من حالة الانتظار إلى حالة المبادرة، نصبح جميعًا شركاء أصيلين في كتابة قصة مستقبلنا، لا مجرد قُرّاء لها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.