د. أحمد حفظي يكتب | ساعة الأرض ليست كافية

0

مرة أخرى، حل موعد ساعة الأرض، ذلك الحدث السنوي الذي يطفئ فيه الملايين حول العالم أضواءهم لمدة ساعة واحدة، وكأننا نؤدي طقسا جماعيا، يمنحنا شعورا زائفا بالإنجاز. نعم، قد تبدو المبادرة رائعة، وقد تحمل بُعدًا توعويًا مهمًا: هل فعلا نُحدث فرقًا، أم أننا فقط نرضي ضمائرنا؟
المشهد يتكرر كل عام: صور للأبراج الشاهقة والمعالم الشهيرة، وهي تغرق في الظلام، تغريدات ومنشورات تفيض بالحماس، وتصفيق جماعي لهذا الإنجاز “العظيم”. ولكن، ما أن تنقضي الستون دقيقة حتى تعود الحياة إلى طبيعتها، بل وربما أسوأ. وكأننا نكفّر عن ذنوب عامٍ كامل من الاستهلاك المفرط والانبعاثات الكربونية، ثم نعود لنفس العادات، وكأن شيئًا لم يكن.
في الحقيقة، إطفاء الأضواء لمدة ساعة، لن يُنقذ كوكبًا ينهار بسبب التلوث، ولن يُصلح سياسات حكومية تتجاهل الأزمات البيئية، ولن يُلزم الشركات العملاقة بتغيير استراتيجياتها المدمرة للبيئة. لكنه يُشعرنا، ولو للحظة، بأننا “قمنا بشيء”، حتى لو لم يكن هذا “الشيء” ذا قيمة حقيقية.

إذا كنا جادين في إنقاذ كوكبنا، فعلينا أن نطرح أسئلة أكثر إزعاجًا:
لماذا لا تزال الدول الكبرى تماطل في التحول إلى الطاقة المتجددة؟
لماذا تتجنب الشركات العملاقة المسئولية، وتكتفي بحملات تسويقية زائفة حول “الاستدامة”؟
لماذا لا نرى قوانين صارمة تُجبر الصناعات الملوِّثة على الحد من انبعاثاتها؟

الاحتفاء بساعة الأرض، لا يجب أن يكون مجرد منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، بل يجب أن يكون حافزًا للتغيير الحقيقي. التوفير الحقيقي للطاقة، لا يحدث في ساعة واحدة، بل في سياسات طويلة الأمد، واستثمارات جادة في الطاقة النظيفة، وتغيير جذري في أنماط الاستهلاك لدينا.

وإما أن نتصرف.. أو نكتفي بالمظاهر، فساعة الأرض قد تكون فكرة جميلة، لكنها لن تحل الأزمة البيئية ما لم تتبعها أفعال حقيقية. إطفاء الأنوار لمدة ساعة، لن يُحدث فرقًا يُذكر، لكن التحرك الجماعي للضغط على الحكومات والشركات لإحداث تغيير ملموس، ساعة الأرض، ليست مجرد مناسبة سنوية، بل يجب أن تكون نقطة انطلاق نحو تغيير جذري في أسلوب حياتنا. إذا كانت ساعة واحدة تذكّرنا بمدى تأثيرنا على الكوكب، فماذا لو جعلنا كل يوم فرصة للحفاظ عليه؟!. في النهاية، تكمن القيمة الحقيقية لساعة الأرض في استمرارية تأثيرها بعد انتهاء الحدث. إطفاء الأنوار لمدة ساعة، قد يبعث برسالة قوية، لكن التأثير الحقيقي، يتحقق عندما يتحول هذا الوعي إلى ممارسات يومية مستدامة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.