د. أحمد سلطان يكتب | أوروبا تبحث عن بدائل
أثارت الحرب الروسية الأوكرانية والأحداث المرتبطة بتلك الصراع بين الدب الروسي من ناحية وأوكرانيا والتي يقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الغربي من ناحية أخري العديد من التساؤلات والقضايا الهامة وأهمها خريطة توازنات القوي وشكل العالم ما بعد الحرب بالإضافة لمستقبل العلاقات الروسية الأوربية ومدى تأثير المقاطعة الأوروبية على علاقات روسيا بدول العالم وخاصة الدول العربية، ومستقبل سوق الطاقة الروسي وهل تستطيع أوروبا إيجاد حلول جذرية ومستدامة لفطام نفسها عن الغاز الروسي، منذ الستينيات قامت روسيا بمد العديد من خطوط الأنابيب في شرايين القارة العجوز والتي تعتبر من أهم مستخدمي الغاز الروسي، ولكن ستظل القضية الأهم قضية إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا والتي تمثل أكثر من ٤٠٪ من احتياجاتها والتي من المتوقع أن تتزايد معدلاتها بعد الانتهاء من تشغيل خط أنابيب نوردم ستريم ٢ بين الروس والألمان عبر البلطيق والذي سوف يتفرع إلى شرايين القارة العجوز، ورغم الصراعات والتناقضات بين سياسات الدب الروسي والاتحاد الأوروبي في عديد من القضايا، فقد ظل الاعتماد على الغاز الروسي يتزايد عاماً بعد آخر، وبعد أن كانت حصة أوروبا من الغاز الروسي أقل من ٢٧ ٪ بنهاية عام ٢٠١٣، التدخل الروسي في الشأن الأوكراني وضم شبه جزيرة القرم عام ٢٠١٤، وسط معارضة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي لتلك الخطوة، ومع أيضاً توقيع العقوبات الاقتصادية على الروس، فقد ظل الغاز الروسي يتدفق في شرايين القارة العجوز ويتوغل في جسدها عاماً بعد عام، حتى بلغ معدل ضخه حوالي ٤٠٪ من إجمالي احتياجات أوروبا من الغاز الطبيعي.
لذلك إذا ارادت أوروبا إيجاد حلول لفطام ومنع نفسها عن الغاز الروسي والذي يتدفق إلي شرايينها كتدفق الدم في الجسد وكسر هيمنة بوتين على صناعة الطاقة في أوروبا يجب عليها إيجاد بدائل ذات مواصفات محددة أهمها أن تكون بأسعار معقولة ولا تشكل تلك الأسعار ضغوطاً تضخمية عليها، وعبر طرق وخطوط سهلة ومتاحة وبكميات متاحة وكافية، وتمتلك روسيا مميزات لا تتوافر لكبار الغاز عالمياً وهى توفير الغاز من خلال خطوط الأنابيب وخياراتها المتعددة (خط السيل التركي وخطوط نوردم ستريم) وكذلك عبر السفن المحملة بالغاز الطبيعي المسال، حتى الآن لا توجد دولة بمفردها تستطيع لعب الدور الروسي في الأراضي الأوربية واستبدال هذه المعدلات من الغاز الطبيعي، حتى قطر صاحبة أكبر ثالث احتياطي في العالم من الغاز الطبيعي لا تستطيع زيادة صادراتها إلى القارة العجوز لسببين، أولاً أن قدرات التسييل وسفن الشحن المتاحة لديها لن تسعفاها في تلبية الطلب الطارئ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وثانياً أن معظم الشحنات القطرية محجوزة في عقود طويلة الأجل وفي أغلب الأحيان لمشترين آسيويين، فإن كمية الأحجام القابلة للتحويل التي يمكن شحنها إلى أوروبا لا تتجاوز ١٠٪، وأيضاً اندلاع النزاع المغربي الجزائري مما انعكست آثاره على توقف خط الغاز الواصل إلى أوروبا عبر المغرب، كما أن غياب إيران عن السوق العالمي، وعلى الصعيد الأخر لم تسطيع الولايات المتحدة الأمريكية من تحقيق هدفها من بناء تحالف غازي جديد يكون بديلاً للغاز الروسي إلى أوروبا، ولا أظن أن هذه المحاولات سوف يكتب لها النجاح في المستقبل.
الاحتياج الأوروبي للغاز الروسي يضع السياسات الأوروبية على طرفي نقيض، بينما تتفجر الخلافات السياسية مع موسكو، تبقي الشعوب الأوروبية حائرة وخائفة إنه إذا غضب بوتين فإن أوروبا ستشعر بالبرد على الفور.