د. أميرة الطاهر تكتب | القطن والحوار الوطني

0

يُعد قطاع صناعة الملابس والمنسوجات ثاني أكبر القطاعات مساهمة في الاقتصاد المصرى، ويعمل به نحو ٢٠٪ من حجم القوى العاملة، ومن ثم فإن حل المشكلات المرتبطة به ستكون لها آثار إيجابية كبيرة على الاقتصاد المصرى، وإحدى أبرز هذه المشكلات مرتبطة بالمادة الخام التى يعتمد عليها هذا القطاع، وهى القطن، وتتمثل تلك المشكلة فى بعدين:

الأول: مرتبط بالقطن المصرى طويل التيلة الذى كان ولا يزال له مكانة رفيعة، فمنه تصنع أغلى المنسوجات والملابس فى العالم، وظلت مصر رائدة فى زراعته حتى سبعينيات القرن العشرين، حيث كانت الدولة توفر كل أنواع الدعم للمزارع، فكان عائد زراعته مجديا للمزارع قبل الدولة، وارتبطت أفراح ومناسبات المصريين بموسم جنيه، ولكن تبدل الحال مع صدور قانون تحرير تجارة القطن فى بداية التسعينيات، حيث أدى لتحرير سعر القطن بعد أن كانت الدولة تضع سعرا استرشاديا يضمن للمزارع ربحا مرضيا، كما أدى لدخول القطاع الخاص فى تجارة القطن بعد أن كانت المسوق الوحيد له، كم سمح قانون تحرير القطن باستيراد أنواع أخرى من الأقطان أقل سعرا وجودة من القطن المصرى، ومن ثم حلت محل القطن المصرى في المصانع والمغازل، بعد أن ساهمت في خفض تكاليف الإنتاج، ومع انخفاض جودة القطن المصرى نتيجة للاعتماد على النظم اليدوية في جنى وفرز وحلج الأقطان وتعبئتها، قل الطلب العالمى على القطن المصرى وتراجع سعره، كل ما سبق أدى إلى تراجع المساحة المزروعة من ميلونى فدان إلى ما يقل عن مائتى ألف فدان.
ومن ثم فإن الدولة تقع على عاتقها مهمتان وهما: استعادة مكانة القطن المصرى دوليا من خلال تحسين جودته، وزيادة المساحة المزروعة منه لتعود كما كانت على الأقل، وهو ما يتطلب عودة الدولة لدعم مزارعى القطن أسوة بما يحدث فى دول أخرى مثل الولايات المتحدة والهند، حيث تتحمل الدولة فيها نصف تكلفة زراعته تشجيعا للمزارع، كما يتطلب أن يكون للدولة دور رقابى في تسويق وتجارة القطن بما يضمن حصول المزارع على السعر العادل، وهو ما بدأ يتحقق تدريجيا في المنظومة الجديدة لتداول وتجارة الأقطان.
البعد الثانى: وهو التوسع فى زراعة القطن قصير التيلة الذى يمثل ما يزيد على 92 % من القطن المستخدم فى صناعة الغزل والنسيج المصرى، وتستورد مصر منه سنويا بما يعادل 2 مليار دولار هذا قبل ارتفاع أسعار الدولار، وقد أكدت تجارب وزارة الزراعة نجاح زراعة هذا النوع فى بعض المناطق الصحراوية، فلماذا لا يتم التوسع في زراعته بأقصى سرعة ممكنة، بما يوفر المليارات التى تدفع فى استيراده سنويًا فى ظل أزمة الدولار، ويضمن توفير المادة الخام لثانى أكبر قطاعات الصناعة المصرية في ظل ظروف عالمية غير مستقرة، كما يمكن أن يتحول لمصدر للعملة الصعبة مع تصديره حيث يمثل هذا النوع 97 % من القطن المستخدم في صناعة الملابس والمنسوجات عالميا.
صحيح أن للدولة جهودا كبيرة منذ عام 2018 لحل مشكلات صناعة الغزل والنسيج، ولكن هذا لا يمنع أن يكون القطن والمشكلات المرتبطة به وصناعاته المختلفة على قائمة أولويات أجندة الحوار الوطنى في محوره الاقتصادى، خاصة مع تعدد وتنوع خلفيات المشاركين فيه بما يسهم فى وضع حلول جذرية تغطى كل الأبعاد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.