د. أميرة الطاهر تكتب | القوة الخفية للتعليم الفني

0

يشكل التعليم الفني حجر الزاوية في بناء مجتمع متقدم، ويُعد أساسًا لتحقيق التنمية الاقتصادية. ومع ذلك، تواجه مصر تحديًا كبيرًا يتمثل في ثقافة مجتمعية تقلل من شأن التعليم الفني وخريجيه، إذ يُنظر إليه غالبًا كخيار للطلاب أصحاب المجموع المنخفض أو للباحثين عن تعليم أقل تكلفة. هذه النظرة تنتقص من قيمة التعليم الفني ودوره في بناء المجتمع، على الرغم من أن الواقع يثبت العكس؛ فالكثير من خريجي الجامعات يعملون في مهن وحرف تتطلب المهارات ذاتها التي يكتسبها خريجو التعليم الفني، ما يعكس أن التقليل من شأن هذا النوع من التعليم أمر غير منطقي. فالتحاق الطالب بالتعليم الفني ليس نهاية الطريق، بل بداية لمستقبل مهني ناجح، مع إمكانية استكمال الدراسة الجامعية لاحقًا لمزيد من التطور والفرص.
تكمن قوة التعليم الفني في ارتباطه المباشر بسوق العمل وتزويد الشباب بالمهارات العملية المطلوبة في مختلف القطاعات، من الصناعات التقليدية والزراعية إلى التكنولوجيا الحديثة والخدمات التجارية. هذه القدرة على المزج بين التدريب العملي والاحتياجات الفعلية للاقتصاد تمنح خريجيه ميزة تنافسية حقيقية، تجعلهم قادرين على الابتكار وتأسيس مشاريعهم الخاصة.
وعلاوة على ذلك، يمتلك خريجو التعليم الفني مؤهلات راسخة ليصبحوا رواد أعمال ناجحين، إذ يكتسبون مهارات عملية تؤهلهم لتأسيس مشاريع صغيرة ومتوسطة تدعم الاقتصاد وتخلق فرص عمل جديدة. تسهم هذه المشاريع في حل المشكلات المحلية وتحريك عجلة التنمية، سواء في المدن أو المناطق الريفية، مما يعزز أهمية التعليم الفني كخيار واقعي للابتكار والريادة.
وقد أدركت الدولة المصرية أهمية التعليم الفني في بناء المجتمع، فأولت له اهتمامًا خاصًا من خلال افتتاح مدارس فنية متخصصة في مجالات جوهرية مثل الذهب، والنقل، والإلكترونيات، وربط المناهج بسوق العمل مباشرة. وخلال السنوات العشر الأخيرة، أصبح الالتحاق ببعض مدارس التعليم الفني يتطلب مجموعًا أعلى من بعض مدارس الثانوية العامة، وهو ما يعكس تحسن الجودة وارتفاع مكانة التعليم الفني في المجتمع.
وعليه، لا يمكن لأي دولة تسعى إلى التقدم والريادة أن تستغني عن التعليم الفني، لأنه يمثل العمود الفقري لجميع مجالات التنمية. فالدول الصناعية الكبرى تبني اقتصادها على أسس التعليم الفني، وتستثمر في تدريب الشباب وتأهيلهم لمهن المستقبل، معتبرة هذا التعليم قاعدة للابتكار والتنمية المستدامة.
إن الالتحاق بالتعليم الفني ليس عيبًا ولا تقليلًا من شأن من يلتحق به؛ بل على العكس، هو مسار يُعزز فرص الشباب في بناء مستقبل أفضل. لذا، بات من الضروري تغيير الثقافة المجتمعية السائدة التي تقلل من قيمة التعليم الفني، وتشجيع الشباب على الالتحاق به، ليس فقط لتطوير مهاراتهم وخلق فرص ريادة الأعمال، بل أيضًا كحل عملي للحد من البطالة بين خريجي الجامعات ورفع مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.