د. إبراهيم إسماعيل يكتب | عودة ترامب

0

عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تحمل تداعيات كبيرة على السياسة الدولية، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي تمثل محورًا مهمًا للسياسات الأمريكية. تعتبر سياسات ترامب الجديدة استمرارًا لنهجه السابق، الذي ركز بشكل أساسي على تعزيز العلاقات مع إسرائيل، وفرض ضغوط مكثفة على إيران. هذا التوجه، قد يعيد تشكيل التحالفات الإقليمية، ويزيد من حدة التوترات، لكنه في الوقت ذاته، قد يوفر فرصًا لتعزيز التعاون الاقتصادي مع بعض الدول، ومنها مصر.
أولى العلامات الواضحة لسياسات ترامب الجديدة، ظهرت في تشكيل فريق دبلوماسي، يدعم بشكل مطلق إسرائيل، ما يشير إلى استمرار الدعم الأمريكي للحكومة الإسرائيلية. يُذكر أن الولايات المتحدة، قدمت لإسرائيل مساعدات عسكرية بلغت 3.8 مليار دولار سنويًا خلال فترة ترامب السابقة. ومع عودته، من المتوقع أن تستمر هذه السياسات، ما يعزز التعاون في المجالات الأمنية والدفاعية، لكنه يزيد من التوترات مع دول الجوار، مثل فلسطين ولبنان، خاصة في ظل تفاقم الأزمة في غزة، وتصاعد الاحتجاجات الفلسطينية. إلى جانب ذلك، تسعى إدارة ترامب إلى إعادة فرض سياسة الضغط على إيران من خلال تعزيز العقوبات الاقتصادية، وتكثيف العزلة الدبلوماسية. هذا النهج يهدف إلى تقليص نفوذ إيران في المنطقة، وكبح برنامجها النووي، لكنه يحمل مخاطر تصعيد التوترات في الخليج العربي، ما قد يؤثر على استقرار أسواق النفط وحركة التجارة العالمية.
بالنسبة لمصر، العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة، قد تشهد تطورًا ملحوظًا في المرحلة المقبلة. تُعد مصر شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، وتاريخيًا كانت الاستثمارات الأمريكية، تمثل جزءًا كبيرًا من الاقتصاد المصري، حيث بلغ حجمها حوالي 8 مليارات دولار. وفي عام 2024، أعلنت واشنطن عن تقديم 129 مليون دولار لدعم التنمية في مصر، مع التركيز على قطاعات الطاقة والبنية التحتية. كما أن الشراكة بين البلدين في مكافحة الإرهاب من المتوقع أن تزداد قوة، خاصة مع استمرار التوترات الإقليمية. ومع ذلك، تواجه مصر تحديات كبيرة، تتعلق بالحفاظ على توازن علاقاتها الدولية في ظل تنافس القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، على النفوذ في الشرق الأوسط.
على الجانب الاقتصادي، فإن مصر في وضع جيد لجذب مزيد من الاستثمارات الأمريكية، خاصة مع تحسن مناخ الاستثمار. يُتوقع أن تستفيد مصر من زيادة التعاون في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة، وهو ما يمكن أن يدعم النمو الاقتصادي المحلي، ويوفر فرص عمل جديدة. لكن، لتحقيق ذلك، يتعين على الحكومة المصرية، تبني إصلاحات اقتصادية عميقة، تعزز من قدرتها على الاستفادة من الفرص المتاحة.
رغم هذه الفرص، هناك مخاطر محتملة، قد تنعكس على مصر بسبب السياسات الأمريكية في المنطقة. على سبيل المثال، التصعيد المحتمل بين الولايات المتحدة وإيران، قد يؤثر على الملاحة في قناة السويس، التي تُعد شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا لمصر. بالإضافة إلى ذلك، فإن التوترات المتزايدة في الخليج العربي، قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، ما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الدول المستوردة للنفط مثل مصر.
في المجمل، قرارات ترامب الجديدة، تحمل تأثيرات معقدة ومتعددة على الشرق الأوسط ومصر. فبينما قد تسهم في تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني مع مصر، إلا أنها تحمل أيضًا تحديات كبيرة، تتطلب استراتيجيات مرنة للتعامل معها. من الضروري أن تستمر مصر في تبني سياسة خارجية متوازنة، تحافظ على مصالحها الوطنية، مع العمل على استغلال الفرص المتاحة، وتقليل المخاطر المرتبطة بالتحولات الجيوسياسية. بهذه الطريقة، يمكن لمصر أن تعزز دورها الإقليمي، وتستفيد من التغيرات الجارية في النظام الدولي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.