د.إبراهيم رمضان يكتب | ٣٠ يونيو عندما استعاد الشعب بوصلته

0

في مثل هذا اليوم، الثلاثين من يونيو، من كل عام، لا تمر الذكرى عبورًا عاديًا في ذاكرة المصريين. هي ليست مناسبة سياسية فحسب، بل لحظة تاريخية، حفرت نفسها في وجدان الأمة، وكتبت على جدران الزمن شهادة ميلاد جديدة لمصر.. دولة تسترد إرادتها، وتُعيد ضبط بوصلتها الوطنية.
الثورة التي خرجت من رحم الوعي
خرج الملايين في شوارع وميادين مصر في الثلاثين من يونيو 2013، لا طلبًا للخبز، ولا بسبب أزمة آنية، بل خروجًا نادرًا في تاريخه، بدافع أعمق: إنقاذ الدولة. كان الوطن آنذاك على مفترق طرق خطير، تتنازعه تيارات العنف، وتحاول اختطافه جماعة لم تفهم طبيعة هذا الشعب الممتد في أعماق الحضارة.

لم تكن 30 يونيو فقط لحظة سقوط نظام سياسي، بل كانت إعلانًا عن ولادة وعي شعبي جديد، ورفضًا للاستبداد المقنع بثوب الدين، وتمسكًا بوطن للجميع، لا لفصيل.
2016: من الغضب إلى البناء
ومع حلول عام 2016، بدأت ملامح ما بعد الثورة تتشكل بوضوح: مشروعات قومية عملاقة، وأُسس جديدة لإدارة الدولة، ومحاولات جادة لبناء اقتصاد حديث وسط تحديات هائلة. وفي هذه اللحظة، لم يكتف الشباب بدور المتفرج أو حتى الثائر، بل انتقلوا إلى الصفوف الأمامية في مشهد البناء.
من الحلم إلى التأثير:
في تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، رأينا تجسيدًا عمليًا لما طالب به الشعب في ثورته: شراكة حقيقية في القرار، وتمثيل عادل للشباب، وبناء منصات سياسية تجمع ولا تُفرّق. لم تكن التنسيقية مجرد كيان شبابي بروتوكولي، بل أصبحت مختبرًا للقيادات، وفضاءً حيويًا لخلق حالة سياسية جديدة، تؤمن بالتعددية والحوار دون صخب أو مزايدة.

وقد أثبتت التجربة أن مصر بعد 30 يونيو لا تُدار بمنطق الصوت الواحد، بل بصوت الوطن المتعدد، الذي يجمع في طياته الطموح والخبرة، الحلم والواقع.
ما بعد الثورة.. مسئولية لا ذكرى
إن استدعاء ذكرى 30 يونيو يجب ألا يكون فقط للبكاء على الماضي أو التغني به، بل لمساءلة أنفسنا: هل نحن أوفياء لتلك اللحظة؟ هل نعيش بروحها؟ هل نشارك كما شاركنا؟ وهل نحمي ما أنجزناه بوعي لا يقل عما بدأنا به؟
خاتمة: مصر التي لا تُكسر
في 30 يونيو، علّمت مصر العالم درسًا فريدًا: أن الشعوب قادرة على تصحيح مسارها. وأن الوعي الشعبي حين يشتعل، لا تُقاوم قوته. وبينما نتقدم نحو المستقبل، فإن مسئوليتنا أن نحافظ على شعلة 30 يونيو متقدة، لا كحنين إلى لحظة عظيمة، بل كعهد مستمر أن هذا الوطن لا يُكسر، ولا يُختطف، ولا يُدار إلا بإرادة شعبه.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.