د. إيمان موسى تكتب | صياغة السياسات العامة للأمن الغذائي

0

تعد مسألة تحقيق واستدامة الأمن الغذائي هدف رئيسي لأي نظام سياسي حاكم، إذ تعتمد استمرارية واستقرار هذا النظام على قدرته في تحقيق الأمن الغذائي للمواطنين. ومفهوم الأمن الغذائي وفقاً لما خلص إليه مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عُقد في عام 1996 يعني ” أنه الوضع الذي يتحقق عندما يتمتع جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الحصول المادي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم الغذائية وأفضلياتهم الغذائية من أجل حياة نشطة وصحية” .
وبتحليل مفهوم الأمن الغذائي المقدم، فإن الجهات المعنية بتحقيقه تتمثل في الحكومة بشكل رئيسي إلى جانب الفاعلين الآخرين بالمجتمع كالقطاع الخاص والمجتمع المدني. وعلى مستوى الحكومة، يمكن استخلاص أن ثمة وزارات رئيسية منوط بها عملية صياغة وتنفيذ هذه السياسات، وعلى راسها وزارات الزراعة واستصلاح الاراضي، الموارد المائية والري، التموين والتجارة الداخلية، التجارة والصناعة، البيئة، الصحة، وبالتالي من المفترض أن تتكامل هذه الوزارات فيما بينها في صياغة وتحديد أولويات الامن الغذائي في إطار عدة محددات حاكمة مثل معدل النمو السكاني، ومعدل النمو الاقتصادي.
وبالنظر للوضع في مصر، وبتقييم برنامج عمل الحكومة المصرية 2018-2022، ومقارنة مستهدفات الأمن الغذائي وفقاً للتعريف السابق، يلاحظ أن هناك إشكالية في صياغة السياسات الخاصة بالامن الغذائي، كان السبب الرئيسي فيها هو عملية التنسيق فيما بين الوزارات المعنية على ارض الواقع. ففي الوقت الذي اجتهدت فيه الدولة بالتوسع الافقي في مجال الاستثمارات الزراعية، من خلال انشاء مشروعات زراعية تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل، وتقليل استيراد البعض منها، لم تقم في المقابل وزارة الصحة والسكان باتخاذ خطوات جادة ومؤثرة فيما يخص الزيادة السكانية من خلال مشروع يتكامل مع هدف التوسع الزراعي، كي يتناسب مع معدلات الزيادة السكانية، بل تم اطلاق استراتيجية تنمية الاسرة في مرحلة لاحقة على مرحلة التوسع الزراعي، في الوقت الذي تتطلب فيه أن تكون سابقة، خاصة وأن أثرها يحتاج لفترة أطول كي يؤتي ثماره.
وعلى صعيد آخر، يلاحظ أن سياسات التجارة الداخلية لم تتسم بالتناسق مع السياسات الزراعية، حيث كان من اللازم إنشاء مناطق لوجيستية بكافة محافظات الجمهورية، لتقليل سلسلة الإمداد للمنتجات الزراعية، ومن ثم تنخفض أسعارها النهائية، إلا أن هذا الملف اتسم بالبطيء في عملية التنفيذ. وعلى مستوى المنافذ الحكومية التابعة لوزارتي الزراعة والتموين، كان هناك نقص في المعروض لبعض السلع الهامة، وإن كانت الحكومة قد عالجت هذا النقص بافتتاح معارض أهلا رمضان في المحافظات قبل موعدها بشهور بهدف تعظيم الإتاحة كي تنخفض الاسعار.
وقد ساهمت عوامل خارجية في الضغط على نقطة الضعف الحكومية المتمثلة في غياب التنسيق وتكامل الإجراءات، حيث اصطدمت الحكومة في بداية تطبيق برنامجها بانتشار جائحة كورونا، والتي أثرت سلباً وبشكل كبير على التجارة العالمية، وسلاسل الإمداد، ثم جاءت الحرب الروسية الاوكرانية في أعقابها لتزيد من حدة الازمة فيما يخص أسعار السلع وإتاحتها، مما ترتب عليه مزيد من الضغوط، وحالة من عدم اليقين أربكت الحكومة في ضبط عملية التنسيق بشأن سياسات الامن الغذائي.
وفي هذا الإطار، وانطلاقا من الفرصة الحالية المتاحة لصانعي القرار والمتسجدة في “الحوار الوطني” أصبح لزاماً التركيز على الاولويات في صياغة سياسات الامن الغذائي، بحيث تركز هذه السياسات على أن تتوازن مع معدلات النمو السكاني، كي يتحقق النمو الاقتصادي والذي يحتاج أن يكون ثلاثة اضعاف النمو السكاني، كي يكون نمو حقيقي غير هش، يصمد أمام الصدمات والأزمات المفاجئة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.