د.إيناس دويدار تكتب | العلاقات الإيجابية: هل هي صدفة أم مهارة؟

0

العلاقات في حياتنا هي مصدر الدعم والرفقة والونس
ولها اثر بالغ علي الصحة النفسية وجودة الحياة

وكثيرون ينتظرون “العلاقة المناسبة” كما لو كانت هدية من القدر، تُلقى إليهم في لحظة حظ نادرة، أو تقاطع طريق غير متوقَّع. لكن الحقيقة التي تُخفى على البعض أن العلاقات الإيجابية لا تُمنح، بل تُبنى — بخطوات هادئة، واختيارات واعية، ومهارات تُصقَل على مدار الوقت.

العلاقات الداعمة في الحياة لا تأتي صدفة… بل تُبنى حيث يلتقي النضج الداخلي بالكفاءة والذكاء الاجتماعي والاختيار الواعي.
وإليك باختصار عدَّة خطوات كبداية لكيفية تحقيق ذلك:

الخطوة الأولى: أن تكون صالحًا للعلاقة قبل أن تبحث عنها
العلاقات القوية تبدأ من الداخل، من علاقة الإنسان بنفسه. قبل أن يبحث عن مَن يفهمه، عليه أن يفهم ذاته، ويُميِّز بين احتياجاته الأصيلة ومجرد رغباته المؤقتة. الفرد الناضج داخليًّا، لا يحتاج لعلاقة ليكتمل بها، بل هو يرى نفسه شخصًا مكتملًا وكفؤًا فرديًّا، لكنه يحتاج للعلاقات في حياته؛ لأنها مساحة للنمو المشترك وإضافة جوانب الدعم والوَنَس والرِّفقة والصداقة.

الكفاءة الفردية: الأساس الصلب لكل علاقة ناجحة
أن تكون كفؤًا نفسيًّا يعني أن تملك أدواتك في مواجهة الحياة: القدرة على تنظيم مشاعرك، حل مشكلاتك، وإدارة وقتك وطاقتك. العلاقات لا تزدهر حين نُحمِّل الطرف الآخر مسؤولية سعادتنا، بل حين نكون قادرين على إسعاد أنفسنا، ونُشارك ذلك الاتزان مع مَن نحب.
ثانيًا: أن تكون كفؤًا اجتماعيًّا حتى تستطيع تكوين شبكتك من العلاقات الإيجابية.

الذكاء الاجتماعي: فن بناء الجسور لا الحواجز
أن تكون جذَّابًا اجتماعيًّا لا يعني أن تملك حضورًا طاغيًا، بل أن تملك الحضور الذي يُشعر الآخر بالأمان والقبول. الذكاء الاجتماعي يعني أن تعرف متى تتحدث ومتى تُصغي، كيف تُعبِّر عن نفسك دون أن تطغى، وكيف تُدرِك مشاعر الآخرين حتى قبل أن تُقال. في العلاقات الإيجابية، لا يُقدَّر الذكاء العقلي فقط، بل اللطافة، والمرونة، وحُسن التقدير.

ثالثًا: أين وكيف؟
(فن اختيار شبكة العلاقات)
هل نعرف فعلًا ما نحتاج؟ ولماذا ننجذب؟
للأسف، كثير من الناس يعيشون سنوات طويلة دون أن يتوقفوا ليتأملوا احتياجاتهم النفسية والعاطفية بعمق. ننجذب أحيانًا لمَن يُشبهنا، فنشعر بالراحة والتفاهم، وأحيانًا لمَن يُكملنا، فننبهر بما نفتقده في أنفسنا. لكن السؤال الأهم: هل ننجذب لمَن يُفيدنا فعلًا وله نفس القيم والمساحات المشتركة؟

تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الأكثر وعيًا باحتياجاتهم، وبتاريخهم العاطفي، وبأنماط ارتباطهم، هم الأقدر على اختيار علاقات أكثر نضجًا واستقرارًا. فحين يفهم الفرد إن كان يبحث عن الأمان أم المغامرة، عن التقدير أم التحدي، يستطيع أن يُفرِّق بين الانجذاب اللحظي، والتوافق الحقيقي طويل المدى.

الاختيار الواعي: القلب لا يكفي وحده
العلاقة الإيجابية لا تُبنى على الانجذاب وحده. فكم من انجذاب قاد إلى أذى! هي قرار تُشارك فيه العاطفة مع العقل، والحدس مع الخبرة. العلاقة الصحية هي التي تختار فيها شخصًا لا لمجرد أنه يُشعِرك بشيء، بل لأنه يُضيف لحياتك شيئًا، ويتَّسق مع قيمك، ويشترك معك في الرؤية.

ونحن هنا حينما نذكر لفظ “العلاقات الإيجابية” فإننا نعني المفهوم الواسع للعلاقات، وليس الحَكر على الحب الرومانسي.
فشبكة العلاقات التي ننسجها حولنا — من أصدقاء، وزملاء، وأفراد عائلة، وحتى شركاء في العمل أو رحلة الحياة — يمكن أن تكون مصدرًا عظيمًا للدعم والنمو والراحة النفسية. من حق كل إنسان، في كل مرحلة من حياته، أن يبحث عن هذه الشبكة، وأن يختار مَن يُحيط به بعناية، دون أن ينتظر شخصًا واحدًا يُنقِذه أو يملأ الفراغ.

إننا نعيش في عالم يجعلنا نظن أن العلاقات القوية تظهر فجأة، كما في الأفلام. لكن الواقع أن كل علاقة ناجحة هي نتيجة لجهد داخلي بدأ قبل اللقاء، ولنضج مستمر بعده. فلا تنتظر أن تهبك الحياة علاقة إيجابية، بل اسعَ لتكون أنت الشخص الإيجابي القادر على بنائها.

وتعلَّم واقرأ عن الاحتياجات، وحدد ماذا تريد، وارسمه في مخيِّلتك، وأين يمكن أن تجده،
ثم ابدأ في تعلُّم مهارات العلاقات: كيف تُبنى، وكيف تُدار، حتى تتمكن من صُنع شبكة إيجابية من العلاقات العميقة التي تُثري حياتك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.