د. بسمة سعيد دسوقي تكتب | أسطورة الجيش الذي لا يقهر
في السادس من أكتوبر، الموافق العاشر من رمضان عام 1973، تمكن الجندي المصري من تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، حيث عبر خط بارليف المنيع واستعاد أرض سيناء، في واحدة من أعظم حروب العصر الحديث، وقد خُطت تفاصيلها في أروع صفحات التاريخ، ودرستها الكليات العسكرية في مختلف أنحاء العالم.
لقد أسفرت حرب أكتوبر عن هزيمة العديد من العقائد والنظريات، التي كان يعتمد عليها العسكريون وخبراء الاستراتيجية القومية في العالم، مما دفعهم إلى إعادة تقييم حساباتهم بناءً على الأسس التي وضعتها هذه الحرب، سواء في ما يتعلق بفن القتال واستخدام الأسلحة، أو في مجال تكنولوجيا التسليح وتصميم المعدات، فقد أثرت الحرب بشكل كبير على المستوى الاستراتيجي، فقد استطاعت حرب أكتوبر 1973 تفنيد نظرية الأمن الإسرائيلي، وإضعاف مفهوم الحرب الوقائية، وعلى الصعيد التعبوي والتكتيكي، تمكنت قواتنا المسلحة من تجاوز أعقد الموانع المائية وتدمير أقوى الدفاعات والتحصينات، حيث دارت معارك عنيفة بمشاركة قوات لم يسبق لها مثيل في المنطقة.
في السادس من أكتوبر، انهارت إسرائيل من قمة برج الأمان والاطمئنان الذي بنته لنفسها، حيث كانت الصدمة قوية ومثيرة، وكأن الإسرائيليون استيقظوا من حلم طويل وجميل ليواجهوا قائمة طويلة من الحقائق والأوهام التي آمنوا بها لسنوات.
اهتزت هذه المعتقدات، بل وتحطمت أمام واقع جديد غير متوقع وغير مفهوم بالنسبة لغالبية الإسرائيليين. ومن منظور المواطن الإسرائيلي العادي، يمكن أن تُطلق على حرب أكتوبر أسماء متعددة، مثل “حرب “انهيار الأساطير” أو “نهاية الأوهام” أو “موت الأبقار المقدسة”.
بعد الحروب السابقة، كانت تُقام عروض عسكرية فخمة في يوم الاستقلال، حيث كانت الجماهير تشاهد غنائم الحرب التي تم الاستيلاء عليها من العدو لكن في هذه المرة، كان الوضع مختلفًا؛ فقد أُقيم معرض كبير في القاهرة بعد شهرين من الحرب، حيث شاهدت الجماهير الدبابات والمدافع والعربات العسكرية والعديد من الأسلحة الإسرائيلية، التي تم الاستيلاء عليها خلال المعارك، وفي السابق،كان الجنود يعودون إلى منازلهم بعد تسريحهم، ويغمرهم شعور الفخر والاعتزاز.
تُعتبر حرب أكتوبر 1973 من أبرز الأحداث التي وضعت حدًا لأسطورة تفوق إسرائيل في مواجهة العرب، وكلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنًا باهظًا يُقدّر بحوالي خمسة مليارات دولار، وأدت إلى تغييرات جذرية في الوضع الاقتصادي للدولة الإسرائيلية، التي انتقلت من حالة الازدهار التي كانت تعيشها قبل الحرب – رغم أن هذه الحالة لم تكن قائمة على أسس متينة – إلى أزمة عميقة أكثر حدة وخطورة من الأزمات السابقة.
لكن النتائج الأكثر تأثيرًا كانت على الصعيد النفسي، حيث انتهت ثقة الإسرائيليين في تفوقهم المستمر، وظهر ضعف كبير في جبهتهم المعنوية الداخلية، وهو ما يُعتبر من أخطر التحديات التي يمكن أن تواجهها الشعوب، وخاصة إسرائيل.
وقد تجلى هذا الضعف في صورتين متناقضتين أدتا إلى استقطاب خطير داخل المجتمع الإسرائيلي؛ فمن جهة، بدأ البعض يشككون في مستقبل إسرائيل، ومن جهة أخرى، لوحظ تصاعد التعصب والتشدد، مما أدى إلى ما يُعرف بعقدة الماسادا، وهي القلعة التي تحصن فيها اليهود خلال تمردهم ضد هذه الإمبراطورية ، حيث لم يستسلموا وماتوا جميعًا.